الضفة: الضم أم الاحتلال؟ كيف يضلل الإعلام السردية الفلسطينية

حين يملأ الإعلام فضاءه بضجيج الحديث عن “ضم الضفة الغربية”، يوحي للقارئ أن ما يحدث هو تطور استثنائي أو تجاوز غير مسبوق. لكن الحقيقة التاريخية والسياسية أبسط وأكثر خطورة: فلسطين كلها خضعت للاحتلال منذ عام 1948، وما يُسمى اليوم بـ“الضم” ليس إلا استمرارًا لعملية بدأت منذ وعد بلفور، وتم تحويلها تدريجيًا إلى واقع بالقوة.

صناعة وهم “الضم”

الخطاب الإعلامي الغربي، ومعه العربي الرسمي، يتحدث وكأن إسرائيل كيان طبيعي يملك شرعية الوجود، وكل ما يفعله الآن هو تعدٍ على حدود 1967. هذا التوصيف يخفي الحقيقة: الضفة لم تكن يومًا أرضًا حرة حتى يُقال إن ضمها يشكل نقطة التحول. إنها تحت الاحتلال منذ عقود، والكيان كله تأسس على سلب فلسطين، لا على اتفاق متكافئ بين طرفين.

تقزيم القضية في رقعة جغرافية

عبر تضخيم مسألة “الضم”، يتم حصر الصراع في بقعة جغرافية محدودة. وبذلك تُفرّغ القضية من بعدها الكلي المتعلق بوجود إسرائيل ذاته، لتُختزل في “نزاع حدودي” يمكن حله بمفاوضات أو حلول وسط. هذا التقزيم يخدم مباشرة الرواية الإسرائيلية، ويحوّل التراجع عن الضم إلى تنازل يُسوّق دوليًا كخطوة “سلامية”، بينما هو في الحقيقة مجرد إدارة للاحتلال بطرق مختلفة.

تكريس حل الدولتين كفخ سياسي

الإعلام يستثمر في تضخيم “الضم” لإبقاء وهم “حل الدولتين” حيًّا. فبقدر ما يُقدَّم الضم كخطر ينسف هذا الحل، يصبح أي تجميد له بمثابة إنقاذ للعملية السياسية. وهكذا يُعاد تدوير اللعبة القديمة: المفاوضات مقابل وقف الاستيطان أو الضم، بينما الأصل أن كل فلسطين محتلة ولا تحتاج إلى تقسيم جديد لفضح الاحتلال.

الجذر الاستعماري المغيّب

إن التركيز الإعلامي على الضفة يطمس الجذر الاستعماري للقضية: وعد بلفور 1917 الذي منح أرضًا لا يملكها طرف لطرف آخر. هذا الوعد هو اللحظة التأسيسية التي أطلقت مسلسل المصادرة والتهجير، وما الضفة إلا فصل متأخر في هذه الحكاية. بتجاهل هذه الحقيقة، يُعاد تشكيل وعي الأجيال وكأن الاحتلال بدأ عام 1967، لا عام النكبة الكبرى 1948.

ماذا يستفيد الفلسطيني من هذه السردية؟

لا يستفيد شيئًا سوى المزيد من التضليل. فالإعلام حين يقنع العالم أن المشكلة في “الضم” فقط، فإنه يسحب من الفلسطيني شرعية المطالبة بكل أرضه، ويحصر نضاله في شطر جغرافي صغير. إنه تكريس لفقدان الذاكرة السياسية، وإعادة إنتاج لوضعٍ يخدم مصالح القوى الدولية وإسرائيل أكثر مما يخدم العدالة.

خاتمة

التضخيم الإعلامي لمسألة ضم الضفة ليس انحيازًا عرضيًا، بل جزء من عملية هندسة للوعي العالمي بحيث تبقى إسرائيل كيانًا “شرعيًا” في أساسه، ويُقدَّم الاحتلال على أنه مجرد خلاف حدودي. مواجهة هذا التضليل لا تكون بالانخراط في النقاشات الجزئية حول الضم أو التراجع عنه، بل بإعادة تذكير العالم أن القضية هي وجود استعمار استيطاني كامل اسمه إسرائيل، لا مجرد تفاصيل إدارية في الضفة الغربية.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.