
الضغوط الشعبية والإعلام البديل
الحكومة البريطانية واجهت أكبر حركة تضامن شعبي مع فلسطين في تاريخها الحديث. ملايين خرجوا في لندن ومانشستر، والنقابات والجامعات طالبت بوقف الحرب. القمع لم ينجح، بل زاد من اتساع الفجوة بين الدولة والشارع. الإعلام البديل لعب دورًا كاسرًا للاحتكار الرسمي، فجعل إنكار القضية الفلسطينية مستحيلًا أمام الرأي العام.
حسابات السياسة الداخلية
افتتاح السفارة لم يكن قرارًا معزولًا عن الداخل. بريطانيا تعيش استقطابًا انتخابيًا، والأحزاب المعارضة –خصوصًا حزب العمال– تستثمر القضية الفلسطينية في خطابها. تجاهل هذا الزخم كان سيُحوِّل الحكومة إلى شريك مباشر في حرب الإبادة، ما يكلّفها ثمنًا سياسيًا باهظًا في صناديق الاقتراع. الاعتراف بفلسطين، ولو رمزيًا، جاء كخطوة استباقية لامتصاص الاحتقان الشعبي.
التوازن مع التحالفات الغربية
رغم هذا الاعتراف، لم تنقلب بريطانيا على إسرائيل. التحالف الاستراتيجي معها ثابت، والارتباط بواشنطن عميق. لكن افتتاح السفارة الفلسطينية هو ورقة توازن: لندن تُظهر أنها قادرة على لعب دور "الوسيط النزيه" بدل صورة "المتواطئ الأعمى". إنها سياسة إعادة التموضع التكتيكي، لا مراجعة للمبادئ.
دلالة التحول
الفارق كبير بين منع العلم الفلسطيني في مظاهرة شعبية، وبين رفعه على مبنى رسمي لسفارة دولة. الأول كان قمعًا لرمز سياسي، والثاني إقرار بوجود سياسي لا يمكن محوه. لكن هذا الاعتراف، في جوهره، لا يعني دعمًا لحق الفلسطينيين في التحرر، بل ترتيبًا بريطانيًا لحماية صورتها الدولية وتقليل كلفة انحيازها المستمر لإسرائيل.
الخلاصة
بريطانيا لم تتغيّر في جوهرها: ما زالت جزءًا من المنظومة الغربية التي تحمي المشروع الصهيوني. لكنها اضطرت –تحت ضغط الشارع، وتحوّلات الرأي العام العالمي، وحسابات الداخل– إلى فتح أبوابها لتمثيل فلسطيني رسمي. التحول إذن ليس انحيازًا للعدالة، بل تعديل في قواعد اللعبة الرمزية: اعتراف بفلسطين ككيان سياسي، دون المساس بالتحالف الاستراتيجي مع إسرائيل.