
البحر يُفتح… والعرب يُغلق
المشهد متناقض بحدّ ذاته: البحر، رمز الانفتاح والمخاطرة، يفتح ذراعيه لقافلة الحرية، بينما اليابسة – ممثّلة في بعض الأنظمة العربية – تتحوّل إلى جدار من البيروقراطية والقيود. من المفترض أن تكون الموانئ العربية نقاط دعم ولوجستيات طبيعية لمثل هذه المبادرات، لكن واقع الحال يكشف عن تضييقات في منح التراخيص، وإجراءات عبور معقدة، بل وأحيانًا رفض صريح للتسهيلات التي يطلبها المنظمون. النتيجة أن سفنًا تنطلق من دول أوروبية تُمنح حرية أكبر من سفن تحاول المرور عبر موانئ عربية.
الدلالة السياسية: الخوف من الغضب الغربي
هذه العراقيل ليست مجرد تفاصيل إدارية؛ بل تحمل معنى سياسيًا عميقًا. فالدول العربية التي تغلق أبوابها أمام قوافل دعم غزة تفعل ذلك غالبًا تحت وطأة ضغوط غربية أو خشية من ردود فعل إسرائيلية وأمريكية. أي أنّ هذه الأنظمة تضع حساباتها مع المراكز الكبرى للقرار الدولي فوق أي اعتبار إنساني أو قومي. هنا يتجلّى ما يمكن تسميته الجبر السياسي العربي: حالة من التقييد الذاتي، حيث تتصرّف الحكومات كمنفّذٍ لسياسات الخارج، أكثر من كونها فاعلاً مستقلًا في خدمة شعوبها وقضاياها.
من الدعم الخطابي إلى العراقيل العملية
المفارقة الكبرى أن هذه الدول نفسها لا تتوقف عن رفع الشعارات الخطابية في دعم فلسطين، لكن عند لحظة الفعل العملي تتحول الكلمات إلى جدران. وكأنّ التضامن العربي مسموح به في حدود التصريحات الإعلامية، بينما يُحظر عند مستوى التنفيذ الميداني. وهذا يكشف بوضوح الفجوة بين خطاب رسمي يُزيّن واجهة السياسة، وواقع عملي يخدم مصالح القوى الكبرى، حتى ولو على حساب شعب محاصر وأمة جريحة.
غزة بين البحر والخذلان
أسطول الصمود اليوم لا يواجه البحر وحده، ولا تهديدات إسرائيل وحدها؛ بل يواجه معضلة أكبر: خذلان عربي رسمي يتكرر عند كل محطة تاريخية. فالمقاومة محاصَرة ليس فقط بالمدافع والطائرات، بل أيضًا بالبيروقراطية، بالخوف، وبإرادة سياسية تسلّمت وصايتها من الخارج. وفي ذلك رسالة مريرة: غزة تنتظر سفن الحرية من أقصى الغرب، بينما أقرب الشواطئ إليها تغلق مرافئها أمامها.