مبادرة السلام لغزة: الضغوط الدولية ومعركة التمثيل

في أروقة الأمم المتحدة تتبلور ملامح خطة دولية جديدة لإدارة الوضع في غزة، تقودها واشنطن عبر تحالف دبلوماسي يضم أطرافًا أوروبية وعربية. الفكرة الجوهرية تقوم على إنشاء هيئة انتقالية مؤقتة تتولى إدارة القطاع، تحت شعارات "إعادة الإعمار" و"ضبط الأمن"، في محاولة لتجاوز الانسداد القائم بعد الحرب. غير أن السؤال الجوهري ليس في تفاصيل الخطة بقدر ما هو في الطرف الأكثر تأثيرًا على مسارها: حماس.

حماس أمام معادلة التجريد السياسي

المبادرات المطروحة تحاول عمليًا فصل غزة عن حماس عبر إطار إداري بديل يضع الحركة أمام خيارين متناقضين: إما القبول بخطة دولية تفقدها السيطرة تدريجيًا، أو رفضها بما يضعها في خانة "المعطل الوحيد للسلام". هذه المعادلة ليست جديدة، لكنها اليوم أكثر خطورة لأنها تأتي برعاية مباشرة من واشنطن وبتواطؤ عربي صامت، ما يجعل الضغط السياسي والإعلامي على الحركة أعنف من أي وقت مضى.

بين الشرعية الشعبية والشرعية الدولية

تستند حماس في رفضها لهذه التصورات إلى شرعية شعبية داخلية ترى أن أي إدارة دولية ستكون غطاءً لإعادة إنتاج الوصاية الخارجية وإضعاف خيار المقاومة. في المقابل، تستند الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى ما يسمونه "الشرعية الدولية"، عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمانحين، لتصوير أن أي إدارة لا تمر عبرهم ستكون "غير شرعية". بهذا التصادم، تصبح غزة ساحة اختبار لجدلية الشرعية: هل تُبنى على صناديق الاقتراع وإرادة السكان، أم على قرارات القوى الكبرى؟

إسرائيل: المستفيد الصامت

في كل ذلك، يبقى الموقف الإسرائيلي مموهًا: فهي لا تمانع مبدئيًا بوجود إدارة انتقالية طالما تُبقي حماس خارج المعادلة، لكنها ترفض تقديم أي تنازلات استراتيجية كرفع الحصار أو وقف الاستيطان. أي أن إسرائيل تحاول أن تحصل على "السلام الإداري" بلا مقابل سياسي، وهو ما تدركه حماس جيدًا وتعتبره فخًا يهدف إلى تجريدها من أوراق قوتها.

خيارات حماس الاستراتيجية

  1. القبول الجزئي بشروط الحركة

    قد تنخرط حماس في المبادرة الدولية لكن وفق صيغة محدودة تحافظ فيها على حضورها غير المباشر. يمنحها هذا وقتًا لإعادة ترتيب أوراقها، لكنه يحمل خطر الذوبان التدريجي في معادلات تُصاغ خارج إرادتها.

  2. المواجهة الكاملة والرفض المطلق
    رفض الخطة يعزز صورتها كقوة مقاومة ترفض الوصاية الخارجية، لكنه يفتح الباب أمام اتهامها بتعطيل "السلام" ويزيد من احتمالات الحصار وتجفيف مصادر الدعم.

  3. التفاوض المشروط

    المسار الأكثر براغماتية، حيث تدخل حماس معادلة تفاوضية مقابل ضمانات ملموسة مثل رفع جزئي للحصار أو إدخال الإعمار. يمنحها هذا هامش مناورة ويحافظ على موقعها، لكنه يتطلب يقظة عالية لتجنب الوقوع في فخ التنازلات المتدرجة.

الخلاصة

موقف حماس من مبادرة السلام لن يكون مجرد رد فعل، بل معركة على تمثيل غزة سياسيًا واستراتيجيًا. فالقبول الجزئي قد يحميها مرحليًا لكنه يهدد مستقبلها، والرفض الكامل يعزز هويتها المقاومة لكنه يزيد العزلة، أما التفاوض المشروط فيفتح لها مجال المناورة دون تفريط شامل. الصراع إذن ليس فقط على من سيعيد إعمار غزة، بل على من يملك شرعية تمثيلها في مواجهة مشروع الوصاية الدولية.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.