
عجز إسرائيل يكشف حدود القوة
الحرب الطويلة على غزة أثبتت أن إقصاء حماس بالقوة ليس خيارًا عمليًا. فمعركة دامت أكثر من سنتين، خلفت آلاف الضحايا ودمارًا هائلًا، لكنها لم تُنهِ وجود الحركة ولا قدرتها التنظيمية. هذا وحده مؤشر كافٍ على أن الحل العسكري المباشر غير ممكن. لذا، اللجوء إلى هيئة دولية ليس ابتكارًا إنسانيًا، بل محاولة مكشوفة لنقل المعركة من الميدان العسكري إلى الميدان السياسي–الإداري.
الهيئة كخصم مباشر لحماس
أي هيئة دولية تُمنح صلاحية إدارة غزة ستُنظر إليها محليًا كأداة لإقصاء الحركة. بالنسبة لحماس وجمهورها، الهيئة لن تكون "سلطة حيادية"، بل خصمًا جديدًا يتخفى وراء شعار الشرعية الدولية. وهذا وحده كافٍ لتحويلها إلى هدف مشروع في نظر المقاومة، سواء عبر العرقلة الشعبية أو عبر المواجهة المسلحة. بكلمات أخرى: الهيئة لا تأتي لتخفيف حدة الصراع، بل لتضيف جبهة جديدة.
فخّ الوصاية الدولية
المعضلة الأعمق أن مثل هذه المبادرات تعيد إنتاج منطق الوصاية: نزع السيادة المحلية تحت ذريعة الفشل، ومنحها لقوة خارجية لا تملك قاعدة اجتماعية ولا شرعية داخلية. هذا النمط لم ينجح في أي تجربة مشابهة — من العراق إلى البوسنة — إلا بفرض مزيد من الانقسام والفوضى. غزة، بتاريخها المعقد ومقاومتها المتجذرة، ستكون أكثر رفضًا لهذا السيناريو.
لماذا المشروع محكوم بالفشل؟
-
لأنه يفتقد الشرعية الداخلية: أي جهة لا تنبثق من المجتمع المحلي ستُعامل كقوة مفروضة.
-
لأنه يستهدف حماس بالوكالة: ما يجعل المواجهة حتمية، سواء مباشرة أو غير مباشرة.
-
لأنه يكرر وهم القوة الناعمة: الاعتقاد أن إدارة بيروقراطية يمكن أن تعوض فشل الحسم العسكري.
-
لأنه يكرّس ازدواجية المعايير: فالغرب يطرح هيئة لإدارة غزة، لكنه لا يتصور هيئة لإدارة إسرائيل رغم كون الأخيرة هي منشأ الأزمة.
الخاتمة: فشل قبل البداية
الحقيقة أن "الهيئة الدولية لإدارة غزة" ليست مشروع حل، بل مشروع تأزيم آخر. فلو كان إقصاء حماس ممكنًا عسكريًا، لفعلته إسرائيل منذ زمن، دون الحاجة إلى حرب استنزاف طويلة بلا جدوى. وما دام الأمر غير ممكن عسكريًا، فلن يكون ممكنًا إداريًا أو بيروقراطيًا. الهيئة ستُولد بلا شرعية، وستُعامل كعدو، وستعيد إنتاج الصراع بدل حله. لذلك يمكن القول إن المشروع فشل قبل أن يبدأ — لأنه ببساطة يحاول معالجة مأزق سياسي تاريخي بوسائل سطحية لا تمس جوهره.