قمة الآسيان ودعوة ترامب: لماذا تستحضر ماليزيا ورقة غزة؟

في المشهد السياسي الآسيوي، برزت ماليزيا كأكثر الدول إصرارًا على توظيف قضية غزة في خطابها الدولي، حتى خلال التحضيرات لقمة الآسيان التي ستشهد حضورًا أمريكيًا لافتًا. أنور إبراهيم رفع شعارات الدفاع عن فلسطين في واجهة المداولات، لكن خلف ذلك يظل السؤال حاضرًا: هل هو موقف استراتيجي موجه لواشنطن أم خطاب رمزي موجه للداخل الماليزي؟ فالمعادلة تكشف عن تباين بين واقع دولي لا يكترث بالشعارات، وواقع داخلي يحتاج إلى هذه اللغة لتعزيز الشرعية. وهكذا تتحول غزة في المنصة الآسيوية إلى أداة مزدوجة: رمز خارجي، ورسالة داخلية.

ماليزيا، كغيرها من دول جنوب شرق آسيا، ليست لاعبًا مباشرًا في ملف غزة، ولا تملك تأثيرًا عمليًا على مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. لكن استخدام "قضية غزة" كمنصة خطابية يخدم عدة أهداف في السياسة الداخلية والخارجية معًا:

الشرعية الداخلية

أنور إبراهيم يواجه تحديات سياسية داخلية: اقتصاد مضغوط، ائتلاف هش، ومعارضة تتصيد أي فرصة لإظهاره ضعيفًا أمام الغرب. إعلانه التمسك بغزة يعطيه صورة "الزعيم المسلم المدافع عن القضايا العادلة"، وهو خطاب يلقى صدى واسعًا لدى الشارع الماليزي ذي الأغلبية المسلمة. هنا تصبح غزة أداة لتعزيز شرعية محلية، أكثر مما هي سياسة خارجية فعلية.

توازن الخطاب في السياسة الخارجية

ماليزيا تعيش دائمًا في معادلة دقيقة بين واشنطن وبكين. دعوة ترامب لحضور قمة آسيان أثارت انتقادات بأنها انحياز لأمريكا، فاختار أنور أن يوازن خطابه بإبراز قضية ذات بعد إسلامي–إنساني (غزة) ليظهر أنه ليس تابعًا لأحد، بل "يمتلك بوصلة مستقلة". هذا نوع من التغطية السياسية لإخفاء الاصطفاف العملي خلف واشنطن في ملفات التجارة والأمن.

الرصيد الرمزي على الساحة الإسلامية

ماليزيا تسعى لتكريس نفسها كصوت رمزي في العالم الإسلامي، رغم محدودية نفوذها الفعلي. الحديث عن غزة يمنحها مكانة معنوية أمام شعوب المنطقة، ويجعلها تبدو كمنصة لـ"المواقف الأخلاقية" في وقت تنسحب فيه كثير من العواصم العربية نحو التطبيع.

الرسالة الموجهة للغرب

المفارقة أن الخطاب موجَّه أكثر إلى الداخل الآسيوي والإسلامي، وليس للغرب. أنور يدرك أن واشنطن وبروكسل لا يعيران اهتمامًا جوهريًا لغزة. لكن ذكره للقضية يمنحه هامش تفاوض رمزي: "نحن معكم تجاريًا واستراتيجيًا، لكننا نحتفظ بخطاب مستقل يخاطب شعوبنا".

الخلاصة

التركيز على غزة في هذا التوقيت هو أداة سياسية داخلية بالأساس، تُستخدم لتغطية اختيارات خارجية أكثر براغماتية، خصوصًا في الانفتاح على أمريكا. إنه خطاب موجه للداخل وللرأي العام الإسلامي، لا للغرب الذي يعلم تمامًا أن ماليزيا ليست لاعبًا في الملف الفلسطيني.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.