انسحاب مندوبي الدول من خطاب نتنياهو: عزلة بصرية تكشف الحقيقة

في المشهد السياسي الدولي، لا تُقاس المواقف دائماً بما يُقال، بل أحياناً بما لا يُقال، أو بما يُرفض سماعه. هكذا تجلى المشهد عندما انسحب عدد من مندوبي الدول من خطاب بنيامين نتنياهو، تاركين مقاعد فارغة أمام عدسات الكاميرات، في لحظة محمّلة بالرمزية والدلالات. هذه الخطوة لم تكن إجراءً بروتوكولياً عابراً، بل رسالة سياسية واضحة تعكس أزمة الخطاب الإسرائيلي وعزلته المتصاعدة.

عزل نتنياهو في قلب المنصة

حين يخاطب رئيس وزراء إسرائيل العالم، فهو يسعى لإظهار صورة الدولة المحاصرة "المدافعة عن نفسها". غير أنّ الانسحاب المنظّم من قاعة الخطاب يعكس عكس ما يريد تماماً: صورة عزلة دولية متزايدة، ورفض متنامٍ للتسويق الإعلامي الإسرائيلي. المقاعد الفارغة هنا أكثر بلاغة من التصفيق، فهي تقول: "لسنا شركاء في روايتك".

كشف ازدواجية الخطاب الإسرائيلي

يتحدث نتنياهو عادة بلغة "محاربة الإرهاب" و"حماية الديمقراطية"، بينما الوقائع على الأرض تكشف حصاراً، تدميراً وقتلاً جماعياً للمدنيين في غزة. انسحاب المندوبين هو تفكيك لهذه الازدواجية، إذ يمنع تمرير الخطاب الإسرائيلي كحقيقة مسلّم بها، ويعرّي التناقض بين ما يقال على المنصة وما يُرتكب على الأرض.

دبلوماسية المقاعد الفارغة

هذا النوع من المقاطعة ليس بلا أثر؛ فهو يرسل رسائل متعددة المستويات:

  • للداخل الإسرائيلي: بأن خطابات نتنياهو لا تملك الصدى الدولي الذي يدّعيه.

  • للرأي العام العالمي: بأن هناك دولاً لا تقبل تبرير الجرائم تحت عناوين "الأمن" و"الدفاع".

  • للغرب: بأن وحدة الجبهة الداعمة لإسرائيل تتصدع، وأن الإجماع الذي تريده تل أبيب ينهار أمام مشاهد المقاومة والصمود.

معنى أبعد من البروتوكول

الانسحاب لا يسقط شرعية وجود نتنياهو على المنبر، لكنه يسحب الشرعية من خطابه. إنه أداة ضغط ناعمة لكنها بالغة التأثير، لأنها تعيد صياغة المشهد البصري أمام الإعلام العالمي. فما قيمة الكلمات إذا قوبلت بالظهور الصارخ للمقاعد الفارغة؟

خاتمة

انسحاب المندوبين من خطاب نتنياهو يكشف أن إسرائيل تخسر معركتها في أهم جبهة: الرواية. فالمعارك العسكرية قد تطول أو تقصر، لكن حين يُعزل خطابك أمام العالم وتُرفض روايتك علناً، فأنت تدخل مرحلة الانكشاف الاستراتيجي. إنّها رسالة لا إلى نتنياهو وحده، بل إلى كل من يظن أن بإمكانه تسويق القوة الغاشمة بلبوس الخطاب السياسي.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.