خيوط السيطرة - التحولات العالمية: النظام الدولي بين الانقسام وإعادة التشكيل

لم يعد النظام الدولي موحدًا كما صُوِّر بعد الحرب الباردة، بل بات ميدانًا متشققًا تتنازعه قوى كبرى وصاعدة. السؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام نهاية النظام العالمي القديم، أم أمام إعادة تشكيله بصيغة جديدة؟

الجذور والخلفيات

النظام الدولي الحالي تأسس على أنقاض الحرب العالمية الثانية، برعاية أمريكية غربية هيمنت على الاقتصاد والسياسة والأمن. لكنه بدأ يتصدع منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، إذ تحول من نظام ثنائي إلى أحادي القطبية. هذا الانفراد الأمريكي، الذي بدا ثابتًا، سرعان ما كشف ضعفه مع أزمات العراق وأفغانستان والأزمات المالية.

الآليات والفاعلون

أمريكا وحلفاؤها في الغرب يسعون لتثبيت النظام الليبرالي عبر مؤسسات مثل الأمم المتحدة، الناتو، والبنك الدولي. في المقابل، برزت قوى مثل الصين وروسيا ومجموعة بريكس تعمل على إنشاء مؤسسات موازية (بنك التنمية الجديد، اتفاقيات الطاقة، آليات تسوية بالعملات المحلية). اللاعبون لم يعودوا دولًا فقط؛ بل شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعيد صياغة النفوذ والسيطرة.

الخطاب والسردية

الخطاب الغربي يتحدث عن "الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد"، لكنه في الواقع يسعى لإبقاء قواعد صاغها الغرب نفسه. في المقابل، يروّج الشرق لخطاب "التعددية والعدالة"، وهو خطاب يخفي أيضًا مصالحه الاستراتيجية الخاصة. الإعلام يصوّر الانقسام كتهديد للفوضى، بينما هو في الحقيقة عملية إعادة تموضع تاريخي.

الانعكاسات والنتائج

الانقسام الدولي انعكس على الأسواق والاقتصاد العالمي عبر الحروب التجارية، وعلى السياسة من خلال تعدد التحالفات، وعلى الأمن من خلال صراع النفوذ في أوكرانيا وبحر الصين. بالنسبة للعالم العربي، هذا الانقسام يفتح نافذة بين خيار الارتهان للغرب أو البحث عن استقلال في ظل عالم متغير.

المقاومة والبدائل

المواجهة ليست عسكرية فقط؛ بعض الدول تسعى لبناء بدائل اقتصادية، مثل تقليل الاعتماد على الدولار. أخرى تلجأ إلى تحالفات إقليمية تحميها من الاستقطاب. وهناك من يحاول استخدام التوازن بين القوى لصالحه، بدل الارتهان لمعسكر واحد.

الخاتمة

النظام الدولي لا ينهار فجأة بل يُعاد تشكيله من خلال الأزمات والانقسامات. ما نشهده اليوم ليس فقط صراع قوى، بل صراع على القواعد التي تحكم العالم. والسؤال يبقى مفتوحًا: هل سيولد نظام أكثر عدالة، أم مجرد نسخة جديدة من الهيمنة القديمة بأدوات مختلفة؟

سلسلة: خيوط السيطرة: قراءة في النظام الدولي وصناعة الوعي والعالم العربي

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.