خيوط السيطرة - التحولات العالمية: صعود الشرق وانحسار الغرب

في الوقت الذي يزداد فيه خطاب الغرب دفاعيًا ومشحونًا بالخوف من "التحديات"، يظهر الشرق – بقيادة الصين والهند وروسيا – كلاعب يتقدم بخطى ثابتة نحو قلب النظام الدولي. لم يعد الأمر مجرد تنمية اقتصادية متسارعة أو تفوق في التكنولوجيا، بل تحوّل إلى مشروع استراتيجي شامل يضع الشرق في موقع المبادرة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل صعود الشرق يعني أفول الغرب بالضرورة، أم أننا أمام معادلة أكثر تعقيدًا؟

الجذور والخلفيات

شهد القرن العشرون هيمنة مطلقة للغرب سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. لكن مع بداية الألفية الجديدة، بدأت ملامح تحول بنيوي تتشكل. الصين خرجت من عباءة "مصنع العالم" إلى قوة مالية وتكنولوجية، بينما تجاوزت الهند صورة الدولة النامية لتصبح مركزًا برمجيًا وعلميًا صاعدًا. أما روسيا، فرغم انهيارها في التسعينيات، استعادت تدريجيًا موقعها عبر مزيج من الطاقة والقوة العسكرية. هذه الجذور التاريخية فتحت الطريق أمام انتقال مركز الثقل شرقًا.

الآليات والفاعلون

  • الصين: مشروع "الحزام والطريق" الذي يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
  • الهند: قاعدة بشرية ضخمة، نمو اقتصادي متسارع، واقتحام أسواق التقنية العالمية.
  • روسيا: نفوذ عسكري مباشر في مناطق حساسة (سوريا، أوكرانيا)، واستخدام موارد الطاقة كسلاح جيوسياسي.
  • التحالفات: مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون كأطر مؤسسية لموازنة الغرب.

الخطاب والسردية

الغرب يحاول تصوير صعود الشرق كتهديد "للنظام القائم على القواعد"، في حين أن الواقع يكشف أن هذه القواعد لم تُصمم أصلًا إلا لخدمة مصالحه. الإعلام الغربي يشيطن الصين بوصفها "خصمًا شموليًا"، ويصور روسيا باعتبارها "قوة مدمّرة"، لكنه يتجنب الاعتراف بأن هذا الصعود هو نتيجة طبيعية لفشل السياسات الغربية، وللاختلال الذي صنعته الحروب والاستعمار والهيمنة الاقتصادية.

الانعكاسات والنتائج

  • انتقال مركز الثقل الاقتصادي العالمي تدريجيًا نحو آسيا.
  • إعادة توزيع النفوذ في مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد.
  • تزايد اعتماد الدول النامية على الاستثمارات الصينية بدل الغربية.
  • تراجع هيبة الغرب في فرض معادلاته منفردًا، خاصة مع فشل الحروب الأخيرة.

المقاومة والبدائل

الغرب لا يقف مكتوف الأيدي: العقوبات الاقتصادية، الحروب التجارية، الضغط على الشركات التكنولوجية، وحتى تحريك النزاعات الإقليمية كلها أدوات لعرقلة الصعود الشرقي. لكن في المقابل، يواصل الشرق بناء بدائل مالية وتجارية خاصة به، والرهان على استقلالية أكبر في القرار الدولي.

الخاتمة

صعود الشرق لا يعني بالضرورة انهيار الغرب، لكنه يعلن نهاية زمن التفرد الغربي. نحن أمام نظام يتشكل على أساس التعددية والتوازنات المتغيرة، حيث لم يعد الغرب هو الحكم الأوحد. قد يكون الطريق مليئًا بالصراعات، لكنه يمهد لمرحلة أكثر تنوعًا في مراكز القوة.

سلسلة: خيوط السيطرة: قراءة في النظام الدولي وصناعة الوعي والعالم العربي

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.