
الحدود بين الحقيقة والبروباغندا أصبحت اليوم أكثر ضبابية من أي وقت مضى. السؤال المحوري: كيف يُخفي الإعلام جزءًا من الواقع ويُبرز جزءًا آخر لتشكيل تصورات محددة لدى الجمهور؟ وما هي الطرق التي تُستخدم لتحويل الأخبار إلى أدوات تحكم وإقناع؟
الجذور والخلفيات
البروباغندا ليست ظاهرة حديثة؛ فقد استخدمت منذ قرون لتوجيه المجتمعات. في القرن العشرين، أثبتت الحروب العالمية والحرب الباردة أن السيطرة على السرد الإعلامي قادرة على قلب موازين القوى. مع الثورة الرقمية، تحولت البروباغندا إلى قوة أكثر دقة وسرعة، حيث يمكن التأثير على ملايين الناس في ثوانٍ عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
الآليات والفاعلون
- الدول والحكومات: تبني سياسات دعائية لإعادة تشكيل الواقع وفق مصالحها.
- الشركات الإعلامية الكبرى: تتحكم في اختيار الأخبار وصياغة العناوين والصور لتوجيه الانطباع العام.
- الذكاء الاصطناعي والخوارزميات: تسهم في توجيه المحتوى نحو جمهور محدد، مما يخلق فقاعات معلوماتية معزولة عن الواقع الكامل.
الخطاب والسردية
البروباغندا تعمل على:
- تضخيم الأحداث التي تخدم مصالح طرف معين.
- إخفاء أو تشويه الوقائع التي قد تُضر بالخطط الاستراتيجية.
- خلق سرديات تبسط الواقع المعقد لتسهيل قبول الجمهور لها.
الفارق الجوهري بين الحقيقة والبروباغندا ليس في الكذب الصريح، بل في انتقاء ما يُعرض وما يُحجب عن المشاهدين.
الانعكاسات والنتائج
- الجمهور يصبح أقل قدرة على تمييز الحقائق من التلاعب الإعلامي.
- صعوبة تكوين قرارات سياسية واقتصادية واعية لدى المواطنين.
- تعزيز نفوذ القوى التي تتحكم في صناعة الأخبار والقدرة على التأثير على السياسات المحلية والدولية.
المقاومة والبدائل
- تطوير صحافة مستقلة ومفتوحة للتحقق من الأخبار.
- تعليم الجمهور أدوات التحليل النقدي للتمييز بين المعلومات الصحيحة والموجهة.
- استخدام منصات رقمية بديلة لنشر الحقائق والقصص المغايرة للسرديات الرسمية.
الخاتمة
الفصل بين الحقيقة والبروباغندا أصبح أحد أبرز تحديات العصر الرقمي. الوعي النقدي للمجتمع هو السلاح الوحيد لمقاومة إعادة تشكيل الواقع. السؤال المفتوح: كيف يمكن الحفاظ على تصور مستقل وموضوعي في عالم يهيمن عليه الإعلام الموجَّه؟
سلسلة: خيوط السيطرة: قراءة في النظام الدولي وصناعة الوعي والعالم العربي