
مقترحات قصوى لا للقبول بل للضغط
من خلفيته كرجل صفقات، يتبنى ترامب تكتيك "الإغراق بالمستحيل": طرح شروط قصوى لا يُنتظر قبولها، لكنها تُجبر الطرف الآخر على الظهور في موقع الرافض والمتشدد. هكذا تتحول المقترحات إلى أداة ضغط وليس إلى إطار تسوية.
التحرك تحت السقف الإسرائيلي
جوهر خطط ترامب لم يكن أميركيًا خالصًا بل امتدادًا لأقصى ما تريده إسرائيل: شطب حق العودة، تكريس القدس عاصمة موحدة، وشرعنة الاستيطان. ترامب لم يبتكر مقترحاته، بل أعاد تدوير المطالب الإسرائيلية بغطاء "خطة أميركية"، ليجعل الرفض الفلسطيني يبدو رفضًا للسلام ذاته.
الرفض المتوقع كسلاح سياسي
هنا تكمن المفارقة: واشنطن لا تخشى رفض الطرف العربي، بل تحتاجه. فالرفض يتحول إلى دليل يُقدَّم للعالم على أن العرب "غير واقعيين"، بينما تظهر إسرائيل بمظهر الطرف الذي "قبل" بالمبادرة. بهذه الصياغة يُعاد قلب المعادلة: الضحية متهمة، والجلاد يلبس ثوب المستجيب.
التوظيف الداخلي واللوبي الصهيوني
لا تنفصل خطط ترامب عن حساباته الداخلية. الانحياز لإسرائيل بخطاب واضح يضمن له تأييد القاعدة الإنجيلية المتشددة، والدعم السياسي والمالي من اللوبيات المؤثرة. حتى إذا فشلت الخطة، فقد أدت غرضها داخل أميركا.
تثبيت الممكن عبر طرح المستحيل
الخطر الأعمق في مثل هذه المقترحات أنها تُغيّر قواعد النقاش. حين يُطرح "الضم الكامل" و"القدس الموحدة"، يصبح أي تراجع محدود عن هذه النقاط وكأنه تنازل سخي. وهكذا تتحول الخطوط الحمراء التاريخية إلى "ممكن سياسي"، ويُعاد رسم حدود ما يُعتبر مقبولًا.
هذه هي المفارقة التفاوضية لترامب: هو لا يطرح للحل، بل للضغط، ولتثبيت الرواية الإسرائيلية كإطار وحيد للنقاش. والرفض العربي، مهما كان مبررًا، يُستثمر ليُستخدم ضد العرب أنفسهم.
ما وراء المقترحات: تفكيك الوصاية الأميركية
إن قراءة مقترحات ترامب تكشف أن القضية لم تكن يومًا "إدارة صراع" بقدر ما هي فرض وصاية سياسية على القرار العربي. فالولايات المتحدة، وهي تقدم ما تريده إسرائيل على أنه "خطة سلام"، لا تفاوض العرب بل تُملي عليهم حدود الممكن والمستحيل. هنا تكمن المعضلة: ليست المشكلة في نصوص المقترحات وحدها، بل في قبول العرب بالتحرك داخل الإطار الأميركي ذاته. وكسر هذه الحلقة يبدأ من تفكيك هذه الوصاية، وفهم أن "الوسيط" ليس وسيطًا، بل طرفًا منحازًا يصوغ الوعي العالمي بما يخدم مشروعه.