
بنية النظام الدولي المأزومة
منذ نهاية الحرب الباردة، فرضت الولايات المتحدة هيمنتها على مؤسسات النظام الدولي: مجلس الأمن، البنك الدولي، صندوق النقد، وحتى المنظمات الحقوقية. هذه البنية جعلت إسرائيل جزءاً عضوياً من منظومة الأمن الغربي، بحيث يغدو الدفاع عنها مسألة "بقاء للنظام" لا مجرد سياسة. لذا، كل المجازر تُغطى، وكل الاعتراضات تُفرغ من مضمونها عبر الفيتو أو الضغوط الاقتصادية والسياسية.
صمت القوى الكبرى وتواطؤها
- أوروبا: مكبلة بعقدة التاريخ الغربي مع اليهود، وتابعة استراتيجياً لواشنطن.
- روسيا والصين: تنتقد شكلياً، لكنها لا تدخل مواجهة مفتوحة في الملف الفلسطيني، حفاظاً على توازنات أوسع.
- الأنظمة العربية: رهينة الوصاية الغربية واتفاقيات الأمن والتجارة، لذلك لا تستطيع تجاوز السقف المرسوم.
غزة كعدسة مكبرة
الدم الفلسطيني في غزة كشف العري الأخلاقي للغرب وهو يتحدث عن "حقوق الإنسان". ازدواجية المعايير لم تعد خافية حتى على الرأي العام الغربي نفسه، الذي بدأ يرى التناقض بين خطاب حكوماته وما يجري على الأرض. بهذا المعنى، غزة ليست حدثاً محلياً، بل "عدسة مكبرة" تُظهر أن النظام الدولي قائم على القهر، لا على القانون.
تصدعات النظام الدولي
- فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات ملزمة.
- صعود التكتلات الاقتصادية والسياسية مثل بريكس التي تستقطب دول الجنوب.
- تزايد الغضب الشعبي عالمياً من ازدواجية الغرب، ما يفتح الباب أمام مقاومات شعبية وحركات تحرر خارج إطار الدولة.
نحو عالم ما بعد المظلة الأميركية
ليس من الضروري أن ينهار النظام الحالي بضربة واحدة، لكنه يتصدع ببطء. العالم يسير نحو تعددية مراكز، حيث لا تستطيع واشنطن فرض إرادتها منفردة. غزة سرّعت هذا المسار، لأنها وضعت الغرب في مواجهة صريحة مع مبادئه المعلنة، وأظهرت هشاشة شرعية "النظام القائم".
خاتمة
غزة اليوم ليست مجرد معركة فلسطينية، بل لحظة مفصلية في تاريخ النظام الدولي. إنها الصرخة التي تُعلن أن العالم لم يعد قابلاً للاستمرار تحت المظلة الأميركية وحدها. إن لم تولد تحالفات جديدة، فستولد على الأقل قناعة راسخة بأن الشرعية الأخلاقية والسياسية للغرب قد انهارت، وأن مرحلة ما بعد الهيمنة الأميركية قد بدأت تتشكل بالفعل.