
جذور الطائفة السامرية
السامريون يعتقدون أنهم أبناء مملكة إسرائيل الشمالية التي دمرها الآشوريون في القرن الثامن قبل الميلاد، وأنهم حفظوا الناموس الأصلي للتوراة دون تحريف. يرون أن جبل جرزيم في نابلس هو "القدس الحقيقية"، وليس جبل الهيكل في القدس الذي يقدسه اليهود الحاليون.
بذلك، لا يعترفون بيهودية أورشليم ولا بسلطة الحاخامات القادمين من بابل، بل يعتبرون أنفسهم الامتداد الشرعي لبني إسرائيل القدماء. هذا الخلاف العقائدي جعلهم يُنبذون عبر القرون من قبل اليهود، ويُنظر إليهم كطائفة ضالة أو منقرضة.
السامريون اليوم: أقلية تعيش بين عالمين
في العصر الحديث، يعيش السامريون بين عالمين متناقضين:
-
في نابلس، يحملون الهوية الفلسطينية ويشاركون المجتمع المحلي أفراحه ومآسيه، ويُنظر إليهم كأحد مكونات النسيج الفلسطيني.
-
وفي حولون داخل إسرائيل، يحملون الجنسية الإسرائيلية ويؤدون الخدمة المدنية، ويعاملون رسميًا كيهود لأغراض قانونية.
هذا التوازن الدقيق بين الانتماءين جعلهم دائمًا في موضع حساس. فهم لا يستطيعون الاصطفاف كليًا مع الفلسطينيين خشية فقدان الامتيازات، ولا الاندماج التام مع الإسرائيليين الذين لا يرونهم يهودًا خالصين.
قضية نادر صدقة: رمزية مزدوجة
في الأيام الماضية، أفرجت إسرائيل ضمن صفقة تبادل الأسرى عن نادر صدقة، أحد أبناء الطائفة السامرية، بعد اعتقاله منذ عام 2023.
وبحسب المصادر الفلسطينية، فقد اعتُقل نادر بتهمة التواصل مع تنظيمات فلسطينية ومساعدة مقاتلين في نابلس على التنقل أو إيصال معلومات.
أما في السرد الإسرائيلي، فقد تم تصويره كـ"مواطن منحرف" خرج عن ولائه للدولة العبرية.
لكن في عمق الحدث، تكمن دلالة تتجاوز الأفراد: إنها دلالة على تشقق الهوية السامرية تحت ضغط الصراع. فكيف يمكن لطائفة تعيش بين كيانين متحاربين أن تبقى محايدة؟ وكيف يمكن لفردٍ من نسل “بني إسرائيل القدماء” أن يُعتقل من قِبل إسرائيل نفسها بتهمة دعم المقاومة الفلسطينية؟
البعد السياسي المخفي
قضية نادر صدقة ليست حادثة فردية فحسب، بل تكشف عن مأزق أعمق: مأزق الانتماء المزدوج في أرض مقسومة.
إسرائيل تحاول منذ عقود الحفاظ على صورة الطائفة السامرية كـ"يهود طيبين" يعيشون في وئام مع الدولة، لتُبرزهم كدليل على تسامحها الديني. لكن أي ميول وطنية فلسطينية داخل هذه الطائفة تُعد خطرًا رمزيًا، لأنها تهدم تلك الرواية الإعلامية.
في المقابل، ينظر الفلسطينيون إلى بعض السامريين المقيمين في نابلس كمواطنين من أبناء المدينة، يشاركونهم المعاناة تحت الاحتلال. لذا، فإن اعتقال أحدهم وتحويله إلى ورقة في صفقة تبادل أسرى، يضرب عمق الحياد الذي حاولت الطائفة الحفاظ عليه لعقود.
هوية بين المطرقة والسندان
السامريون اليوم يقفون بين مطرقة التاريخ وسندان السياسة.
فمن جهة، يحملون ذاكرة دينية تجعلهم أقرب إلى اليهود من حيث الطقوس، ومن جهة أخرى، يعيشون واقعًا يوميًا يجعلهم أقرب إلى الفلسطينيين في المعاناة واللغة والعادات.
إنهم المثال الحي على أن الهويات الصغيرة لا تنجو في زمن الانقسام الكبير، وأن البقاء على الحافة قد يمنح الأمان مؤقتًا، لكنه لا يمنح الاستقرار الدائم.
خلاصة
تكشف قصة نادر صدقة، الشاب السامري الذي تحوّل من “ابن الأقلية النموذجية” إلى “معتقل سياسي”، عن عمق أزمة الهوية في فلسطين التاريخية.
فحتى أكثر المكونات الدينية حيادًا، لم تسلم من جاذبية الصراع ولا من تهم الولاء والخذلان.
وربما ما يعيشه السامريون اليوم ليس سوى صورة مصغرة لما تعيشه المنطقة بأكملها: شعوب تبحث عن هوية في عالمٍ يصرّ على تقسيمها بين طرفين متناحرين.