في يوم السبت 18 أكتوبر 2025، خرج ملايين الأميركيين إلى الشوارع في أكثر من 2,700 موقع عبر جميع الولايات الأميركية تحت شعار «No Kings» («لا للملوك»).

السبب: خشية متزايدة من أسلوب حكم يُنظر إليه على أنه يميل نحو «سلطة تنفيذية مطلقة»، وأن الرئيس ترامب يتصرف كما لو أنه «ملك» وليس رئيساً خاضعاً للرقابة والدستور.
ما بين رفع الشعارات والتجمعات الحاشدة، ينبثق سؤال مركزي: هل هذه المظاهرات تعبير ديمقراطي ناضج أم مجرد ردّة فعل مضطربة بدون رؤية واضحة؟ وما مدى مصداقية الاتهامات التي توجّه إلى ترامب بأنه «ملك»؟
ما المطالب وما الأسباب؟
-
المحتجون يرون أن الإدارة الأميركية تحت قيادة ترامب استخدمت الأجهزة التنفيذية: نشر الحرس الوطني في مدن، استخدام وكلاء إنفاذ القانون الفدراليين في مدارس وأحياء، وعمليات ترحيل واسعة بلا ضمانات كافية.
-
الشعار «لا ملوك» يشير إلى مبدأ دستوري أميركي قديم: أميركا ليست مملكة، السلطة يجب أن تُحدّ، الشعب هو السيّد.
-
المظاهرات أيضاً تعمل على توحيد قوى التقدُّم الأميركي (الليبراليين – الحركات المدنية – النقابات) حول فكرة مشتركة: حماية المؤسسات الديمقراطية ومساءلة السلطة التنفيذية.
لماذا الآن؟ وما دلالة التوقيت؟
-
هذه ليست المرة الأولى: سبق أن نظّمت حركة «No Kings» احتجاجات في يونيو 2025، مع ملايين المشاركين.
-
التوقيت يُشير إلى شعور جماعي بأن الأمور وصلت إلى نقطة «تحوّل» — أن الأمر ليس مجرد سياسة متعارضة بل صراع على شكل النظام: هل ستبقى أميركا جمهورياً ديموقراطياً أم تتحوّل إلى كيان فيه رئيس قوي بلا ضوابط؟
-
وفي ظل أزمات متزايدة: توقف حكومي، توترات على الهجرة، استخدام قوات فدرالية، بدا أن المعارضة أرادت أن تقول: «لقد تجاوزنا الحدود».
المصداقية والتحدّيات
الإيجابيات:
-
عدد المشاركين ضخم — يُذكر أنّ ملايين الأشخاص شاركوا، ما يعطي الحركة قوة رمزية كبيرة.
-
مظاهر السلمية كانت الغالبة في كثير من التجمعات، ما يعزز شرعية الاحتجاج كأحد وسائل التعبير الديمقراطي.
-
رفع النقاش إلى مستوى مبدأي: ليس فقط ضد سياسة معيّنة، بل ضد «نمط حكم». وهذا مهم لأن الديمقراطية تحتاج أن تُحرس.
التحدّيات والانتقادات:
-
رغم الشعارات الكبيرة، لم تُعلن حتى الآن خطة سياسية واضحة — ما الذي ستحقّقه الحركة بخلاف التعبير عن الغضب؟ بعض المراقبين يرون أن «الغضب وحده لا يكفي».
-
الاتهام إلى ترامب بأنه «ملك» قد يُستخدم كسلاح إعلامي لكنه يحمل خطر تبسيط الصراع وتحويله إلى سردية تقاتلها لا حقائقها. هل فعلاً هناك مملكة؟ أم أن هناك رئيساً يستخدم صلاحيات واسعة — الفرق كبير.
-
الردّ من الإدارة: ترامب رفض الاتهام وقال «أنا لست ملكاً، أعمل بجهد». هذا الرد لا ينفي كل الانتقادات لكنه يُبيّن أن المعركة أصبحت أيضاً على أرض الرمزية.
-
وجود تحذيرات من أن الحركة قد تُسوّغ ردود فعل سلطوية من الحكومة، بحجة «تهديد النظام». أي أن هذا الاحتجاج الثقافي/رمزي قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والضغط على الحريات.
تحليل أخلاقي: ماذا يعني هذا الاحتجاج؟
-
الاحتجاج هو تعبير أساسي في الديمقراطية، لكن قيمة هذا التعبير تكمن في أن يكون مدعوماً بفعل وتحول، لا مجرد حشد شعارات.
-
عندما يردد الناس «لا للملوك» في بلد دعا نفسه منذ تأسيسه إلى «لا ملوك»، فهذا يعني أن هناك خوفاً من فقدان البوصلة. الديمقراطية ليست ملكاً ولا دكتاتورية.
-
لكن ينبغي الحذر: إذا تحولت السياسة إلى «تحشيد ضد فرد»، بدلاً من «مواجهة نظام غير ديمقراطي»، قد تفقد المعارضة مصداقيتها. يجب أن تُعرض البدائل والأهداف وليس فقط رفض الخصم.
-
أخيراً، في زمن الذكاء الاصطناعي والميديا العميقة، الرموز (كفيديوهات الـ AI التي نشرتها جهة الرئاسة) تعكس أن الصراع ليس فقط سياسياً بل ثقافياً ورمزياً.
ما ينتظرنا من الآن فصاعداً؟
-
إذا استمرت المظاهرات بهذه الحدة، فسيكون اختباراً مهماً لما إذا كانت الولايات المتحدة ما تزال قادرة على مساءلة الرئيس.
-
إذا لم تتبنّ الحركة مشروعاً واضحاً للسلطة التنفيذية، فقد تفقد الزخم أو تُشتّت بين التيارات المختلفة.
-
والمفارقة الكبرى: الرئيس الذي يُتهم بأنه «ملك» ربما يستخدم الاحتجاج كذريعة لتمرير مزيد من الصلاحيات تحت شعار الأمن والاستقرار، فتصبح المعارضة أداة لتعزيز التسلط إذا لم تحرس نفسها.
-
في كل حال، ما يجري ليس مجرد احتجاج مؤقت، بل ربما معلَم في مسار طويل للديمقراطية الأميركية، إما يعيدها إلى جذورها أو يعكس تحوّلاً أعمق.
خاتمة
ما رأيناه في شوارع أميركا ليس ترفاً سياسياً، بل صرخة جماعية من مواطنين يخشون أن «تُضمحل فكرة أميركا» كمكان تُمسك فيه السلطات بيدها مبتسماً، بدل أن تكون محكومة بقانون ودستور وشعب.
الشعار «No Kings» هو أكثر من تورية — هو تحذير بأن الجمهورية التي أسسها الأميركيون ليست من أجل رئيسٍ قويٍ بلا رقابة، بل من أجل شعبٍ يراقب ويحاسب.
إذا استمر هذا الزخم، فإن ما يجري قد يُكتب يوماً في كتب التاريخ ليس فقط كمظاهرات، بل كنقطة انعطاف.
أما إذا فشلت الحركة في تجاوز اللحظة والإعلان عن رؤية مستقبلية — فسيكون هذا مجرد فصل أُغلق، ولم ترقَ إلى أن تكون حركة تغيير حقيقية.