
المشهد الميداني: عنف يومي بلا حساب
تقارير حقوقية إسرائيلية ودولية توثق مئات الهجمات ضد الفلسطينيين سنوياً، تتضمن اقتحام الأراضي الزراعية، تخريب الممتلكات، الاعتداء على المدنيين، وحتى الهجمات المسلّحة. مع ذلك، تبين البيانات أن عدد القضايا التي تصل إلى محاكمات حقيقية ضئيل للغاية. إذ تُشير إحصاءات منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية إلى أن غالبية البلاغات ضد المستوطنين لا تؤدي إلى تحقيق جدي أو إدانات فعلية، وهو ما يخلق شعوراً بالإفلات من العقاب ويغذي العنف المتكرر.
التقصير المؤسسي والتواطؤ الضمني
التحليل الحقوقي يكشف عن دور مؤسسات الدولة في هذا الإفلات. ففي كثير من الحالات، تتأخر التحقيقات، أو تُغلق الملفات لأسباب إجرائية، أو يُقصر عمل الشرطة في مناطق المستوطنات. هذا التقصير ليس مجرد إهمال، بل أحياناً يعكس تواطؤاً سياسياً ضمنياً، إذ يتقاطع توسيع المستوطنات مع عدم الرغبة في محاسبة المستوطنين، الذين يمثلون جزءاً من اللوبي السياسي القوي الداعم لتوسيع السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
الاستثناءات الفردية
لا يمكن إنكار أن هناك حالات محدودة وصلت فيها القضايا إلى المحاكم وتمت إدانات، لكن هذه الحالات تُعد استثناءً، وليست قاعدة. التحقيقات غالباً ما تكون محدودة، وتواجه ضغوطاً سياسية واجتماعية تجعل أي إدانات واسعة النطاق أمراً نادراً للغاية. النتيجة أن الاعتداءات اليومية على الفلسطينيين تصبح شبه مشروعة عملياً، حتى ضمن الإطار القانوني الإسرائيلي.
المسارات الدولية: أفق محدود
في مواجهة هذا الواقع، حاولت الأمم المتحدة وبعض آليات محكمة الجنايات الدولية توثيق هذه الانتهاكات وفرض مساءلة دولية. إلا أن هذه المسارات مرهونة بالضغط السياسي الدولي، بجمع الأدلة، وبالقدرة على تجاوز حماية إسرائيل الدبلوماسية. حتى مع وجود تقارير أممية، فإن النتائج العملية على الأرض تبقى محدودة، ولا تغير من الواقع اليومي للفلسطينيين الذين يعيشون تحت تهديد مستمر.
العوامل السياسية والاجتماعية
الإفلات من العقاب لا يُفهم بمعزل عن السياسة الداخلية الإسرائيلية. المستوطنات جزء من استراتيجية توسيع السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وأي محاسبة واسعة للمستوطنين تتعارض مع هذه الاستراتيجية. كذلك، هناك تأثيرات اجتماعية، حيث يُنظر إلى المستوطنين أحياناً كـ"مدافعين عن الأرض"، ما يخلق مناخاً عاماً يبرر أو يغض النظر عن العنف الممارس ضد الفلسطينيين.
الخلاصة
في النهاية، يظل السؤال المحوري: هل سيحاسب المستوطنون يوماً؟ الإجابة الواقعية تقول إن هذا احتمال نادر، محدد بحالات استثنائية، ومقيد بالسياسات الإسرائيلية والضغوط الدولية. بينما الإفلات من العقاب هو القاعدة، مما يجعل الفلسطينيين يعيشون في حالة من الخطر المستمر، ويؤكد أن العدالة على المستوى المحلي شبه مستحيلة في ظل هذا النظام.
إن هذا الواقع لا يقتصر على أرقام أو تقارير، بل يمثل جزءاً من الهيكل الاستعماري القائم على التفوق القانوني والسياسي لمجموعة على أخرى، ما يحوّل الحياة اليومية للفلسطينيين إلى تجربة مستمرة من القمع والخوف.