
التحكّم في المنصات: الخوارزميات كسلاح
خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي تُصمَّم لإبراز ما يحقق أكبر تفاعل، لكن في الواقع، غالبًا ما تعزز مصالح اقتصادية وسياسية محددة.
الخبر المثير أو الصادم يُروج أكثر، بينما المعلومات المعمقة أو النقدية تتراجع في سلم الأولويات.
بهذا الشكل، تتحول الخوارزمية إلى أداة هندسة وعي: هي التي تحدد ما يراه ملايين المستخدمين أولًا، وما يظل في الظل، دون أن يشعر المستخدم بأنه مُوجَّه.
الإعلام الرقمي كأداة للسياسة الخارجية
لا يقتصر الأمر على المنصات فقط، بل تمتد السيطرة إلى الوكالات الإعلامية الرقمية الكبرى التي تمولها أو تُؤثر فيها جهات غربية.
المثال الأكثر وضوحًا: تغطية الصراعات الدولية — حيث تُقدَّم الوقائع وفق منظور يخدم المصالح الأمريكية والأوروبية، بينما تُستبعد الروايات الأخرى أو تُوضع في سياق يقلل من أهميتها.
بهذه الطريقة، يتحول الإعلام الرقمي إلى ساحة نفوذ استراتيجية، تعكس القيم والسياسات الغربية على نطاق عالمي، وتعيد إنتاج التبعية الثقافية والمعرفية للدول الأخرى.
التضليل والوعي الزائف
من أبرز نتائج هذا التحكم ظهور ما يمكن تسميته بـ«الوعي الزائف»: إدراك جماعي مشوه للواقع مبني على اختيارات مدروسة لما يُعرض.
الأخبار المُرشَّحة والإعلانات السياسية المستهدفة تخلق صورًا مكررة للعالم: من هو المعتدي، ومن هو الضحية، ومن هو المشروع والمرفوض.
وهكذا، يُعيد الإعلام الرقمي صناعة الواقع بدل نقله، ويحوّل كل مستخدم إلى جزء من آلة ضخمة لإعادة إنتاج السرديات الغربية.
تأثير السيطرة الرقمية على السياسة المحلية
التحكم بالإعلام الرقمي لا يقتصر على الصراعات الدولية؛ بل يمتد إلى الداخل، حيث تُستخدم المنصات للتأثير في الانتخابات، وتوجيه الرأي العام، وزرع الانقسامات الاجتماعية والثقافية.
من خلال المحتوى الموجَّه والتحليلات المزيفة أحيانًا، يمكن خلق بيئة تخضع فيها الحكومات المحلية للتوقعات الغربية، حتى قبل اتخاذ أي قرار سياسي.
الخاتمة: مواجهة الهيمنة الرقمية
الواقع الرقمي اليوم ليس حيادياً، ولا هو مجرد وسيلة اتصال. إنه مساحة متشابكة من الاقتصاد والسياسة والإعلام، تُدار غالبًا من خارج حدود الدولة.
الفهم النقدي لهذا الواقع هو الخطوة الأولى لمواجهة الهيمنة الرقمية، ولإعادة بناء وعي جماعي مستقل لا يخضع لآليات التلاعب الغربية.
في عالم تتحكم فيه المنصات والخوارزميات بالمعلومة، يصبح الدفاع عن الحقيقة أشد تعقيدًا من الدفاع عن الأرض، لأن المعركة هنا على الإدراك والوعي قبل الجغرافيا.