
أثبتت أفغانستان – رغم فقرها وعزلتها – أن موازين القوة في هذا العالم ليست كما تُعرض في خرائط النفوذ أو نشرات الأخبار. لقد كانت الميدان الذي تهاوت فيه أوهام التفوق، حين عجزت الإمبراطوريات الحديثة عن كسر إرادة شعبٍ لم يملك من أدوات العصر سوى إيمانه بحقه في أن يكون سيد أرضه.
سقوط أسطورة التفوق العسكري
لم تستطع الجيوش المدججة بالتقنية والتمويل أن تُخضع بلادًا جرداء أنهكتها الحروب. انهارت نظريات “الحسم السريع” و”إعادة بناء الدول”، وتكشّف أن السلاح لا يصنع الطاعة، وأن الهيمنة مهما تأنّقت في خطابها لا تملك شرعيةً أمام الشعوب حين تقاتل دفاعًا عن ذاتها.
حدود الاحتلال مهما تلون
تبدّلت العناوين من "محاربة الإرهاب" إلى "نشر الديمقراطية" ثم إلى "حماية الحقوق"، لكن النتيجة لم تتغير: كل مشروع يُبنى على القهر الخارجي ينهار بزوال اليد التي تموّله. فالأنظمة المفروضة لا تعيش، لأنها بلا جذور في الأرض التي يُراد لها أن تزدهر فيها.
فشل التصدير القسري للنماذج الغربية
أراد الغرب أن يصنع من أفغانستان نسخة على صورته، متجاهلًا أن الأمم لا تُستنسخ، وأن الشرعية هناك لا تُستمد من صناديق الاقتراع بل من الانتماء والرمز والذاكرة. لقد حاولت واشنطن زرع نموذجٍ سياسيّ غريب في تربةٍ لا تشبهه، فانهار بمجرد انقطاع الماء عنه. هكذا سقط وهم “إعادة تشكيل العالم”، وبقيت الحقيقة القديمة: لا نظام يصمد ما لم ينبع من وجدان شعبه.
الشعوب حين ترفض أن تُهزم
لم يكن صمود الأفغان معجزة عسكرية، بل تعبيرًا عن معادلةٍ أعمق: أن الإنسان حين يقاتل دفاعًا عن هويته يتجاوز موازين القوة المادية. تلك اللغة التي لم يفهمها الغرب، لأنها ليست لغة العتاد، بل لغة المعنى.
الدرس الإنساني الأخير
أفغانستان لم تكن ساحة حرب، بل رسالة مفتوحة إلى العالم: أن القوة التي لا تفهم الإنسان تُهزم، مهما امتلكت من أدوات السيطرة. فالعمران لا يُبنى بالقهر، والهوية لا تُمحى بالاحتلال، والكرامة لا تُشترى بالمساعدات. تلك خلاصة التجربة التي أعادت إلى الذاكرة قانون التاريخ الأبدي: أن الشعوب قد تُهزم مؤقتًا، لكنها لا تُستعبد أبدًا.