
سوق "التحفيز": بين الوهم والمُسكّن
تشترك كتب التحفيز والتنمية الذاتية في وعودها المتكررة: "كن أنت"، "غيّر واقعك"، "ارفع تردّدك"، "اخرج من منطقة الراحة"... كلمات براقة لا تنقصها الحماسة، لكنها في الغالب تنتهي إلى تحميل الفرد مسؤولية كل شيء، وكأن مشاكله النفسية والاجتماعية والاقتصادية هي نتاج ضعف إرادته أو غياب رؤيته، لا نتيجة بنى منظومية تُنتج القهر والعجز والتفاوت.
بهذا المعنى، تتحول التنمية الذاتية إلى أداة تفريغ نفسي لا تغيير واقعي. فهي لا تطرح سؤالًا سياسيًا أو اجتماعيًا، بل تُعيد تدوير الخطاب النيوليبرالي الذي يُحمّل الفرد وحده نتائج الفشل، متجاهلة تمامًا الهياكل التي تصنع اليأس وتُقصي الإنسان من أدوات التغيير الحقيقي.
صناعة الوعي الزائف: خطاب لا يرى النظام
المفارقة أن هذه الكتب، ورغم شعاراتها الكبرى، لا ترى النظام. لا تسأل عن العدالة، أو توزيع السلطة، أو أسباب استنزاف الإنسان في بيئات العمل. بل تُقنعه أن الحل دائمًا داخلي، في تحسين نفسه، وزيادة إنتاجيته، وتقبّل الوضع... كأن المطلوب ليس تغيير العالم، بل التكيّف مع اختلاله.
هذا النوع من الخطاب هو في جوهره خطاب تهدئة لا تحرر. يُجبر الإنسان على الانكفاء على ذاته، وعلى البحث عن التوازن عبر تجاهل العالم لا مواجهته، وعبر التروّي في الاستهلاك بدل نقد من ينتج الهيمنة.
هل في التنمية الذاتية ما ينفع؟
ليس الغرض من هذا النقد نفي أهمية التطوير الشخصي أو إتقان مهارات الحياة، بل في تفكيك الطريقة التي تُختزل بها الذات في شعارات استهلاكية تبتعد عن جذور المعاناة. حين تتحول التنمية إلى شعار مفصول عن الواقع، تصبح شكلًا من الهروب النظيف بدل المواجهة الواعية.
التنمية الحقيقية تبدأ عندما تُفهم الذات في سياقها، وتُربط مع محيطها، وتُحمّل النظام جزءًا من المسؤولية، لا فقط الفرد. وعندها فقط يمكن أن تكون كتب التحفيز مدخلًا صادقًا نحو الوعي، لا غطاء لتخديره.