
فهل المشكلة في مؤسسة الزواج ذاتها؟ أم في التوقعات التي تسبقها، والتي صيغت بخيالات مجازية لا تحتمل ثقل الواقع؟
سردية رومانسية مُستوردة ومُفرطة
تعززت صورة الزواج في العقل الجمعي عبر الأدب والدراما والأغاني على أنه نهاية سعيدة لكل قصة حب. يُصوَّر الشريك/الشريكة كمنقذ نفسي، وفارس/أميرة تحقق التوازن العاطفي الكامل. هذا التصور لا يعكس الواقع بل يُحمّله ما لا يحتمل، إذ يجعل من العلاقة الزوجية ملاذًا لكل النواقص، ويُغفل الحاجة إلى النضج، والتفاهم، وإدارة الصراعات، والاعتراف بالفروق النفسية والفكرية بين الطرفين.
وحين تقتحم التحديات اليومية هذه القشرة الرومانسية—كالخلافات المالية، والاختلاف في التربية، وضغوط الأهل، وانكشاف الطباع الحقيقية—تنهار الصورة الجميلة سريعًا، ويشعر أحد الطرفين أو كلاهما بالخديعة، كأن الزواج نفسه كان خطأً، بينما الخطأ الحقيقي كان في التوقعات لا المؤسسة.
من الحب إلى العقد: هل غاب الوعي الاجتماعي؟
في مجتمعاتنا، يتذبذب الوعي بين نموذجين متناقضين: نموذج تقليدي يرى الزواج عقدًا اجتماعيًا صلبًا محكومًا بالعائلة والمصلحة، ونموذج حداثي جديد يقدّمه كعلاقة فردية رومانسية مطلقة تقوم على الشغف والانسجام الكامل.
كلا النموذجين يتجاهل الحقيقة الأساسية: أن الزواج، في جوهره، علاقة بشرية مركبة، تتطلب مهارات تفاوض وتحمّل ومصارحة وإعادة بناء مستمرة. لا يكفي الحب وحده ولا الالتزام الاجتماعي وحده، بل لا بد من إدراك أن الشريك الآخر ليس "نسخة مصقولة" من توقّعاتنا، بل شخص يحمل تاريخه ومزاجه وضعفه، ولا يمكن احتواؤه داخل قوالب جاهزة.
الإعلام والوعي الاستهلاكي للعاطفة
زاد الإعلام الرقمي ووسائل التواصل من تعميق الهوة بين الواقع والتوقعات، حيث يُروَّج لنماذج "حب مثالي" وأزواج "لا يختلفون أبدًا"، فيما يُخبّأ الألم والخلاف والانكسار خلف صور السفر والهدايا و"الفلوقات" الوردية. النتيجة: جيل يتوقع علاقات بلا تعب، ومشاعر بلا اصطدام، وزواجات بلا توتر.
هذا الوعي الاستهلاكي للعاطفة يخلق هشاشة في قدرة الفرد على التعامل مع الواقع، ويجعل من أي أزمة بسيطة مبررًا للهروب لا للإصلاح.
نحو وعي نقدي للعلاقة الزوجية
لا يعني فشل السردية الرومانسية أن الزواج مؤسسة فاشلة، بل يعني أنها أُغرقت بالأساطير الإعلامية والخطابية. النجاح في الزواج لا يعني غياب الألم، بل القدرة على معالجته، ولا يعني التطابق التام، بل التعايش الذكي.
الوعي النقدي لا يقتل الحب، بل ينقذه من الخرافة. وهو ما نحتاجه اليوم في مواجهة معدلات الطلاق، والتباعد العاطفي، والبرود النفسي الذي أصبح واقعًا في الكثير من الزيجات.