بقايا دفء: علاقات لا تكتمل: لماذا نهرب من الحب حين يصبح ممكنًا؟

تفسير نفسي لسلوك الهروب حين يتحقق الحلم

نقضي سنواتٍ نحلم بلقاءٍ عاطفي صادق. نبحث عن شخص يفهمنا، يشاركنا الهمس والسكون، وننتظر الحب كما ينتظر الجائع كسرة دفء…
لكن، حين يظهر ذلك الشخص، وحين يبدأ الحلم في التحقق… نرتبك. نتراجع. نختلق الأعذار.
ونرحل.

لماذا؟
هل نخاف من الحب؟
أم أن "تحقق الحب" يُسقِط الوهم الجميل الذي بنيناه في الخيال؟

في هذه الحلقة، نغوص في أعماق هذا السلوك المتكرّر: الهروب حين يصبح الحب ممكنًا.

التعلّق الآمن... ما دام بعيدًا

كثير من الناس يُتقنون الحب حين يكون مستحيلًا، أو بعيدًا، أو غير مُتاح. فهم يشعرون بالراحة حين يكون الآخر "خارج اليد"، لأن هذا يمنحهم مساحة للسيطرة على المشاعر دون أن يدخلوا فعليًا في مخاطرة الارتباط.

لكن عندما يقترب الحلم، وتصبح العلاقة واقعية، بكل تفاصيلها، ومسؤولياتها، واحتمالات خذلانها… تبدأ المقاومة النفسية.

كأن الحب في الحقيقة أخطر من الحب في الخيال.

هل نحن مستعدون للحب فعلًا؟

أحيانًا، لا يكون الهروب دليل ضعف، بل انعكاس لحقيقة داخلية: نحن لم ننضج كفاية لنُحب بصدق.
ربما لا زلنا نحمل جراحًا قديمة، أو خيبات لم تُشفَ. ربما اعتدنا على الوحدة حتى صارت جزءًا منّا، وكل اقتراب حميم يبدو كاقتحام.

لذا، حين نبدأ نحس بحب حقيقي يقترب، يستيقظ الدفاع: نخاف أن نُكشف، أن نُخذل، أن نُفقد السيطرة… فنختار الهرب، حفاظًا على توازننا.

متعة التوقّع أقوى من الحقيقة أحيانًا

في اللاوعي، نحب الحب لأنه يمنحنا شعورًا بالامتلاء، لا لأنه علاقة واقعية.
وعندما يبدأ الحب بالتحقق، تنهار الأسطورة: الطرف الآخر ليس مثاليًا كما تصورنا، الحياة ليست فيلمًا، التفاصيل تزعج، والاختلافات تفرض نفسها.

وهنا، يبدأ السؤال:
"هل هذا هو ما انتظرته كل هذا الوقت؟"
ويُولد الحنين... إلى الحب كما كنا نعرفه: حلمًا لا يُمس، لا حقيقةً تُفصّل.

الخوف من فقدان الذات

بعض القلوب تخاف الحب لأنه يشبه الذوبان. لأن فيه درجة من الانكشاف والضعف والتسليم. ومن تربّى على الحذر أو تعرّض للخيانة، يرى في الحب تهديدًا للذات، لا اكتمالًا لها.

وعندما يقترب الشخص المناسب، بدلًا من الانفتاح، يبدأ العقل في الهروب الاستباقي: "فلأنسحب قبل أن أتأذى. فلأنهِ العلاقة قبل أن تنتهي من الطرف الآخر."

هكذا نحمي أنفسنا… لكننا في الحقيقة نحرمها أيضًا.

الخلاصة: هل نخاف الحب، أم نخاف أنفسنا حين نحب؟

الحب الحقيقي لا يُخيف لأنه حب، بل لأنه يتطلب شجاعة.
شجاعة أن نكون صادقين، أن نكفّ عن التمثيل، أن نُظهر ضعفنا، أن نمنح فرصةً للآخر ليكون بشرًا، لا أسطورة.

لذلك، الهروب من الحب ليس دائمًا أنانية… بل قد يكون صوتًا داخليًا يقول: "لستُ جاهزًا بعد."
والنضج ليس أن نُجبر أنفسنا على البقاء، بل أن نفهم لماذا نرحل، ومتى نعود إن أردنا أن نحب حقًا.

سلسلة: بقايا دفء: قراءة نقدية في العاطفة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.