
لبنان بين الداخل والتدخل الخارجي
لبنان، الدولة الصغيرة ذات التعددية الطائفية والسياسية المعقدة، لم تكن يومًا مسرحًا لصراع داخلي عابر، بل كانت دائمًا نقطة التقاء مصالح إقليمية وعالمية. الصراعات اللبنانية تُدار من وراء الكواليس، حيث تلعب إسرائيل، إيران، سوريا، وفرنسا دورًا في صياغة المشهد، ما يجعل الحرب أو الاضطرابات فيها جزءًا من لعبة نفوذ أكبر.
خلفيات الصراع الحقيقية
الاختلافات الطائفية والسياسية في لبنان ليست السبب الوحيد للنزاعات، بل استُغلت هذه الاختلافات من قبل قوى خارجية لإبقاء البلاد في حالة هشاشة دائمة. تدخل سوريا في الثمانينيات، وحضور إسرائيل المستمر، بالإضافة إلى النفوذ الإيراني عبر حزب الله، كلها عوامل خارجية تعيد إنتاج الصراعات المحلية.
من يكتب السيناريو؟
القرار الحاسم يتوزع بين دمشق وطهران وتل أبيب، مع ضغوط غربية، حيث تُستخدم القوى السياسية اللبنانية كأدوات لتوجيه الصراع بما يخدم أجندات خارجية. هذا التحكم يُعطل أي محاولة لبناء دولة مستقرة، ويُعمّق الانقسامات.
أدوات التحكم: المال والسلاح والإعلام
تدفق المال من دول خليجية وأوروبية، وانتشار السلاح في أيدي ميليشيات طائفية، والإعلام الذي يتقمص أدوارًا متضاربة بين الدعم والتشويه، كلها عوامل تُبقي لبنان في دائرة الصراعات المفتوحة.
المسرح المحلي: الأطراف والفصائل
حزب الله كقوة إقليمية داخل لبنان يلعب دورًا مركزيًا، مقابل قوى سياسية لبنانية متنوعة، بعضها مدعوم من الغرب وبعضها من إيران وسوريا. هذا الانقسام يولّد توترات دائمة، ويقود إلى تصعيدات سياسية وأمنية دورية.
النتائج والمستفيدون
على الرغم من كل الأزمات، يظل لبنان ساحة تأثير لإيران وإسرائيل، ولكل طرف أهداف استراتيجية في الإبقاء على الصراع قائمًا. الشعب اللبناني يدفع ثمن هذا الصراع المستمر الذي يعيق الاستقرار والتنمية.
تحوير المسار: من أزمة داخلية إلى مواجهة إقليمية
الأزمات اللبنانية المتكررة ليست فقط نتيجة خلافات داخلية، بل نتيجة تحوير وتوظيف للصراعات الطائفية والسياسية لصالح أجندات خارجية، مما يمنع التوصل إلى حلول سياسية مستدامة.
خاتمة: هل كانت هذه حربنا؟
لبنان مثال آخر على كيف تُدار الحروب والصراعات من خارج الحدود، وكيف يُعاد إنتاج الصراع داخليًا باستخدام أدوات النفوذ والسيطرة. هذا الواقع يفرض على اللبنانيين والعرب إعادة النظر في الدور الحقيقي الذي يلعبونه، وفهم أن الحرب ليست حروبهم فحسب، بل هي جزء من سيناريوهات أكبر تُديرها قوى لا تراعي مصالح الشعوب.
يبقى لبنان نموذجًا واضحًا لكيفية تحويل دولة متعددة الطوائف إلى مسرح لصراعات إقليمية تفرّق ولا تجمع. ليس الصراع اللبناني وليد خلاف داخلي فقط، بل هو نتاج تخطيط خارجي يستثمر في الانقسامات الطائفية والسياسية ليبقي البلد في دائرة هشاشة مستمرة. إدراك هذا الواقع لا يلغي معاناة اللبنانيين، لكنه يكشف اللعبة الحقيقية التي تُدار خلف الستار، ويدعو إلى تجاوز الانقسامات وإعادة بناء وطنٍ حرٍّ ومستقل.
سلسلة: حروبنا وسيناريوهاتهم