عندما تصبح الحرب “إنسانية”

في مارس 2011، لم يكن تدخل الناتو في ليبيا محض دفاع عن المدنيين كما زُعِم، بل كان بداية مشروع دولي مدروس لتفكيك الدولة الليبية، وتحويلها من كيان سياسي موحَّد إلى فسيفساء من المليشيات والمجالس المتنازعة. وما سُمِّي "تحريرًا" لم يكن سوى إعادة تشكيل للسيادة تحت رحمة السلاح والتدخل الخارجي.
الانهيار المبرمج
لم يكن إسقاط القذافي نهاية الاستبداد، بل بداية لانهيار شامل لمؤسسات الدولة. فمنذ اليوم التالي لتدخّل الناتو، تحوّلت ليبيا إلى ساحة صراع إقليمي بين الإمارات وتركيا وقطر ومصر، وكلٌ يدعم طرفًا من المليشيات على الأرض. أصبح "الجيش" مجرد اسم تتقاسمه قوى أمر واقع مدعومة من الخارج، وكل طرف يزعم الشرعية.
أدوات السيطرة: النفط والسلاح
لم تعد الدولة تتحكم في مقدراتها. تم تقاسم النفط الليبي عبر صفقات غامضة، وبيع الولاءات مقابل التسليح. أصبحت كل مدينة تقريبًا تخضع لميليشيا محلية، حتى بات المواطن الليبي رهينة المزاج الميداني لأمراء الحرب. وهكذا انتقل الشعب من استبداد مركزي إلى استبداد فوضوي بلا سقف.
صناعة العناوين: “حرب على الإرهاب”
كما في أغلب الدول العربية، تم استخدام شعار “مكافحة الإرهاب” لتبرير التدخلات العسكرية والسياسية في ليبيا. فكل طرف يشيطن الآخر، ويبرر تحالفه مع الخارج على أنه ضرورة أمنية. لكن النتيجة واحدة: حرب مستمرة بلا نهاية، ووصاية خارجية تتجدد تحت مسميات متغيّرة.
خاتمة: ليبيا من جمهورية إلى ساحة مستباحة
ليبيا اليوم ليست دولة، بل "فراغ جيوسياسي" تُملؤه القواعد الأجنبية، وحقول النفط المحروسة، والمليشيات التي ترتدي ثوب الشرعية. لقد تم تفكيك الدولة الليبية باسم الثورة، ثم أعيد احتلالها باسم الأمن. والمواطن الليبي ظل وحده يدفع ثمن لعبة الكبار، بين حلم الحرية وكابوس الوصاية.
سلسلة: حروبنا وسيناريوهاتهم