الإعلام بين الحقيقة والصناعة

لم تكن الحروب التي اجتاحت العالم العربي في العقود الأخيرة مجرد صراعات على الأرض، بل كانت أيضًا صراعات في فضاء الإعلام.
الإعلام اليوم ليس مجرد ناقل للأحداث، بل صانعٌ للسردية، ومبرمجٌ للوعي الجماهيري، ومحرّكٌ أساسي في صناعة الحروب وتوجيهها.
الإعلام كأداة للتحكم في الإدراك
في كل حرب من حروب المنطقة، نجد أن مراكز القرار العالمي تتحكّم في الرواية الإعلامية قبل أو أثناء وبعد اندلاع الصراع.
منصات إعلامية كبرى مثل:
- CNN
- BBC
- الجزيرة
- العربية
- RT
تصنيف الأعداء والأصدقاء
يتم في الإعلام رسم "العدو" و"الصديق" على مقاس الخطاب السياسي للدول الكبرى، وليس بحسب الواقع المحلي.
مثلاً:
- في سوريا، يُصنف الأسد "ديكتاتورًا" و"قاتلًا"، بينما يُصوّر بعض الفصائل المسلحة "ثوارًا" و"معارضة معتدلة"، رغم تورط بعضها في جرائم ضد المدنيين.
- في اليمن، يُصوّر الحوثيون كعملاء لإيران، بينما تُغفل وسائل الإعلام عن دور التحالف السعودي الإماراتي في الحصار والدمار.
- في فلسطين، تتفاوت التغطيات بين تشويه المقاومة و"تحييد" القضية، حسب الموقع الجغرافي والمنصة الإعلامية.
أدوات صناعة السردية
- الاختيار الانتقائي للخبر: نشر بعض الأحداث وتجاهل أخرى.
- التضخيم أو التقليل: تصوير بعض الهجمات ككوارث بينما يتم التغاضي عن فظائع أخرى.
- اللغة والصور المختارة: استخدام كلمات مثيرة مثل "إرهابي"، "معتدل"، "حرب أهلية"، "مذبحة"، كلٌّ يخدم توجيه المشاعر.
- الاستعانة بخبراء أو صحفيين يميلون إلى جهة معينة: لتقديم وجهة نظر محددة كحقائق.
الإعلام الجديد: منصة معركة جديدة
مع توسع وسائل التواصل الاجتماعي، صار هناك تحكم مضاعف:
- منصات التواصل تُستخدم كأدوات لنشر دعاية مموّلة ومدروسة.
- الحسابات الوهمية (البوتات) تضخّ أخبارًا مزيفة وخطابات الكراهية.
- تمويه الحقيقة عبر إنشاء "حقائق بديلة" تجعل من الصعب على الجمهور التفريق بين الحقيقة والاختلاق.
الإعلام والوعي الشعبي
غالبًا ما يكون المواطن العربي ضحية لإعادة برمجة وعيه عبر الإعلام، فيُقنع بأنه إما مع أو ضد طرف معين، من دون فهم أعمق للأبعاد السياسية والاقتصادية.
هذا التوجيه الذهني يؤدي إلى:
- تفكيك النسيج الاجتماعي.
- تعميق الانقسامات الطائفية أو الجهوية.
- تعطيل القدرة على بناء تحالفات وطنية أو عربية حقيقية.
خاتمة: الإعلام.. سلاح لا يقل خطورة عن البندقية
في النهاية، لا تقل الحرب الإعلامية خطورةً عن الحرب المسلحة.
من يسيطر على السردية يملك القدرة على صناعة "العدو" أو "الصديق"، وتحديد مسار الصراع ونتائجه.
ولذلك، فإن كسر هذه السيطرة الإعلامية هو جزء أساسي من أي مقاومة حقيقية لاستعادة السيادة، وفهم حقيقة ما يحدث.
سلسلة: حروبنا وسيناريوهاتهم