
أمريكا بين الهيمنة والأفول
إصرار واشنطن على دعم الإبادة في غزة يكشف أن الولايات المتحدة تعيش حالة قلق استراتيجي. فبعد إخفاقاتها في العراق وأفغانستان، وتعثر مشروعها في أوكرانيا، تحتاج لإثبات أن هيمنتها لم تنكسر. غزة هنا أداة لإظهار أن القرار الأمريكي ما زال نافذًا، وأنها قادرة على سحق أي تحدٍ مهما كان حجمه أو كلفته الإنسانية.
الانقسام بين الشعوب والحكومات
الحرب أظهرت أن هناك فجوة هائلة بين الموقف الشعبي العالمي والمواقف الرسمية للدول. ملايين البشر خرجوا في شوارع الغرب رفضًا للإبادة، لكن حكوماتهم واصلت دعم إسرائيل بلا تردد. هذا الانقسام يُظهر أن الديمقراطيات الغربية لم تعد تمثل شعوبها بقدر ما تمثل مصالح المجمع العسكري – المالي.
صعود المعسكر المناهض للهيمنة
بموازاة ذلك، تحولت غزة إلى نقطة التقاء لخطاب عالمي مناهض لأمريكا: من موسكو وبكين وطهران، وصولًا إلى عواصم الجنوب العالمي. لم تعد القضية الفلسطينية شأنًا محليًا، بل رمزًا لصراع أوسع بين مشروع إمبراطوري يحتضر، ومحاور دولية تبحث عن تعددية قطبية حقيقية.
هشاشة "القوة الناعمة" الأمريكية
طالما قدّمت واشنطن نفسها كحامية لحقوق الإنسان والديمقراطية. لكن صور الإبادة في غزة نسفت هذه الرواية بالكامل. لم يعد ممكنًا تسويق القيم الأمريكية كمرجعية أخلاقية، بعدما ظهر أنها مجرد واجهة خطابية تخفي مشروع الهيمنة. هذه الضربة لسمعة أمريكا أخطر من أي هزيمة عسكرية.
الخلاصة
غزة كشفت أن العالم يقف على حافة تحوّل جذري: قوة عظمى تتمسك بالهيمنة عبر الإبادة، في مقابل قوى دولية صاعدة وشعوب تزداد وعيًا. الحرب هناك ليست فقط مجزرة مروعة، بل علامة على أن النظام الدولي القديم يتصدع، وأن تعددية الأقطاب لم تعد خيارًا نظريًا، بل واقعًا يفرض نفسه من تحت الركام.
- مقدمة: غزة والاستراتيجية الأمريكية
- الجزء الأول: لماذا تصر أمريكا على حرب الإبادة في غزة؟
- الجزء الثاني: غزة كمرآة: ما الذي تكشفه الحرب عن مستقبل النظام الدولي؟