
والسؤال هنا لا يتعلق فقط بما إذا كانت إسرائيل جادة في تفكيك النظام الإيراني، بل أيضًا: هل روسيا ذاتها تعرضت للخيانة من طهران؟ وهل إيران شريك موثوق فعلاً لأي قوة؟
في هذه المقالة، نحلل الوجه الآخر من علاقة إيران بالقوى الدولية: الخيانة المقنّعة خلف الشعارات.
روسيا وإيران: تحالف مؤقت أم شراكة استراتيجية؟
رغم التقارب الظاهري بين موسكو وطهران، خصوصًا في:
- دعم النظام السوري
- التعاون في منظمة شانغهاي
- صفقات التسلح والدبلوماسية متعددة الأطراف
إلا أن هذا التقارب يخفي تناقضات عميقة، حيث لطالما اتخذت إيران مواقف أضرت بالاستراتيجية الروسية، وأثبتت أنها لا ترى في موسكو أكثر من شريك تكتيكي، وليس حليفًا استراتيجيًا.
خيانات استراتيجية: كيف خانت إيران حليفها الروسي؟
1. التنسيق مع أمريكا في غزو العراق (2003)
- بينما كانت روسيا تُعارض رسميًا الغزو الأمريكي للعراق، كانت إيران تتعاون ميدانيًا مع واشنطن:
- سهلت دخول الميليشيات الشيعية عبر الحدود.
- شاركت في تصفية رموز الجيش العراقي السابق.
- ساعدت أمريكا في تأسيس نظام سياسي موالٍ لطهران، لا لموسكو.
هذه كانت طعنة مباشرة للموقف الروسي المناهض للحرب، وكشفت كيف استخدمت إيران الحرب لصالح مشروعها التوسعي.
2. التنسيق الأمني في أفغانستان بعد 2001
- رغم خطابها المعادي لأمريكا، قدّمت إيران دعمًا لوجستيًا ومعلوماتيًا للغزو الأمريكي لأفغانستان:
- سهّلت إسقاط طالبان (العدو السني المشترك).
- غضّت الطرف عن قواعد أمريكية على حدودها الشرقية.
مرة أخرى، خالفت موقف روسيا، وساهمت في توسيع النفوذ الأمريكي في منطقة تعتبرها موسكو امتدادًا لنفوذها التاريخي.
3. محاولة تقاسم النفوذ مع أمريكا في العراق وسوريا
- بعد سنوات من الحرب، بات واضحًا أن إيران لا تسعى فقط لطرد أمريكا من الشرق الأوسط، بل لتقاسم الهيمنة عليها، خصوصًا في العراق وسوريا.
- وهذا التقاسم قد يُضعف النفوذ الروسي على المدى الطويل، ويحوّل طهران إلى قوة منافسة داخل المحور نفسه.
لماذا تفعل إيران ذلك؟
إيران ليست دولة مبدئية في تحالفاتها، بل دولة ذات مشروع توسعي مستقل، لا ترى في أي قوة (شرقية أو غربية) سوى أداة مؤقتة لتحقيق نفوذها الخاص. وهي تُتقن استخدام:
- الخطاب المقاوم لتجميل صورتها
- الواقعية السياسية (Realpolitik) لتمرير مصالحها حتى عبر التعاون مع أعداء الأمس
إنها الدولة التي تقول "الموت لأمريكا" في خطب الجمعة... وتنسّق مع واشنطن على الأرض.
إسرائيل وروسيا: ضحيتان لمخادع واحد؟
إذا كانت إسرائيل تستفيد من بقاء إيران كفزّاعة، فروسيا ربما تكون أكثر من خُدع فعلاً في مرحلة ما، حين ظنت أن إيران ستكون:
- حليفًا موثوقًا ضد الغرب.
- شريكًا استراتيجيًا في آسيا الوسطى وسوريا.
لكن التجربة أثبتت أن إيران تتحرك كقوة منفصلة لا يمكن الوثوق باستقرار توجهاتها، وأنها – في اللحظة الحاسمة – لا تتردد في التقاطع مع العدو إن ضمنت مكسبًا محليًا.
تطوير وعي نقدي: لا صديق دائم ولا عدو دائم
كيف نفهم إيران في ميزان السياسة الدولية؟
- لا حليف دائم: خذلت روسيا، وقبلها العرب، وربما تخذل حلفاءها الجدد لاحقًا.
- لا عدو دائم: تعاونت مع أمريكا في العراق وأفغانستان، رغم كل شعاراتها.
- اللاعب الحقيقي: من يفهم هذا يدرك أن إيران ليست مقاومة خالصة، ولا عميلة بالمعنى الكامل، بل دولة لها مشروع خاص، قد يتقاطع معك أو يطعنك حسب اللحظة.
الخاتمة
التحليل يكشف أن إيران تتحرك في السياسة الدولية بمنطق براغماتي صارم، لا أخلاقي أو أيديولوجي، وهي مستعدة لخيانة أي حليف مهما كانت العلاقة، إذا ما حقق ذلك مصالحها.
روسيا، التي ظنت طهران حليفًا استراتيجيًا، خُدعت مرات عدة بسبب حسابات إيران الوطنية الضيقة.
من ناحية أخرى، إسرائيل تستغل هذا الواقع لتحافظ على تفوقها عبر إبقاء إيران في دائرة الصراع المتوازن، لا إسقاطها.
لذلك، يجب على الفاعلين الإقليميين والدوليين أن يعيدوا حساباتهم مع إيران بوصفها لاعبًا مستقلًا معقدًا، وليس مجرد "محور شرير" أو "حليف مطلق".
بقاء إيران أو تحالفاتها المفترضة ليست نتاج ولاءات، بل مصالح متغيرة، وحسابات انتهازية تقودها براغماتية الخيانة.