الهجرة: إنسانية الخطاب الغربي أم هندسة ديمغرافية؟

في زمن يُروّج فيه الغرب لاستقباله اللاجئين والمهاجرين كأعلى درجات “الرحمة الإنسانية”، من المهم أن نتوقف لنسأل: هل هذه الهجرة مشروع إنساني فعلاً، أم أنها جزء من استراتيجية كبرى لإعادة تشكيل المجتمعات والاقتصادات وفقًا لمصالح النخب الغربية؟

في هذا المقال نحلّل الفرق بين ظاهر الخطاب وباطن السياسة، ونكشف الأبعاد الحقيقية التي تقف خلف "الكرم الغربي" تجاه المهاجرين.

أولًا: النقص الديموغرافي... والمهاجر كدواء مؤقت

تشهد دول الغرب (أوروبا، كندا، أمريكا، أستراليا) ما يُعرف بـ"الشتاء الديمغرافي":

  • معدلات الإنجاب في انخفاض.
  • نسبة الشيخوخة تتصاعد.
  • سوق العمل يفقد ملايين الأيدي العاملة.

في هذه المعادلة، لا يُنظر للمهاجر كإنسان، بل كحلّ مؤقت لنزيف ديموغرافي مزمن.
يُستقدم ليُنتج، ليدفع ضرائب، ليموّل صناديق التقاعد… لا ليمارس دورًا سياسيًا أو يؤسس لوجود مستقل.

هكذا يتحوّل المهاجر إلى ترس في ماكينة، لا إلى مواطن في وطن.

ثانيًا: اقتصاد الخدمات المنخفضة… ودور المهاجر "غير المرئي"

تقوم الكثير من قطاعات الاقتصاد الغربي على أعمال متدنية الأجر، شاقة، ومُهمّشة:

  • نظافة المدن.
  • البناء والزراعة.
  • الرعاية الصحية المنزلية.
  • خدمات التوصيل.

الطبقات الأصلية في الغرب لا ترغب بهذه الأعمال.
ومن هنا، يُفتح الباب للهجرة، لكن ليس بدافع الرحمة، بل لأن الرأسمالية الغربية تحتاج عمالًا لا يشتكون، لا يُكلفون، لا يُطالبون.

إنه استعباد عصري تحت غطاء "الفرصة".

ثالثًا: تصنيع الولاء... ومنح الجنسية كأداة سيطرة

حين تمنح دولة غربية الجنسية لمهاجر بعد 5 أو 10 سنوات من العمل والإقامة، فإنها لا تفعل ذلك "تكريمًا"، بل تصنع:

  • مواطنًا مطيعًا.
  • ممتنًا للنظام.
  • مستعدًا للدفاع عنه ضد أبناء بلده الأصلي.

المهاجر غالبًا يصبح أكثر "وطنية" من المواطن الأصلي، لأنه لا يريد خسارة ما حصّله.
وهنا تظهر عبقرية الهندسة النفسية في السياسات الغربية:

اصنع من اللاجئ مقاتلًا في صف النظام الذي فرّ إليه، لا ضد النظام الذي دمّر بلده.

رابعًا: الهيمنة الأخلاقية… وتبييض التاريخ الاستعماري

الغرب الذي أشعل الحروب ونهب الشعوب، بات اليوم يُقدِّم نفسه كملاذ للنازحين!

  • الإعلام يروّج للجوء كرحمة.
  • السينما تُصور اللاجئ الذي "حُضن في حضن الإنسانية".
  • المؤسسات تتحدث عن "التنوع الثقافي" و"الانفتاح".

لكن الحقيقة:

  • من فجّر الحروب في بلادهم؟
  • من دعم الأنظمة الاستبدادية؟
  • من حاصرهم اقتصاديًا وسياسيًا؟

اللاجئ هنا يصبح دليلاً على "تقدّم الغرب"، وليس على ظلم العالم.
وكأنهم يقولون: "لقد دمرنا بلادكم، لكننا أحنّ عليكم من حكامكم… فاشكرونا!"

خامسًا: الصراع على الهويات… واستخدام المهاجر كسلاح انتخابي

في أمريكا مثلًا، ينقسم السياسيون حول المهاجرين:

  • بعضهم يراهم خزانًا انتخابيًا.
  • وبعضهم يراهم تهديدًا لهوية "البيض البروتستانت".
  • لكن الطرفين يستخدمونهم.

الهجرة هنا ليست مسألة إنسانية، بل أداة في صراع الهوية والنفوذ داخل المجتمعات الغربية نفسها.

وهكذا، بدل أن يكون المهاجر طرفًا مستقلاً، يتحول إلى وقود في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.

سادسًا: استنزاف العقول... وتفريغ أوطاننا

أسوأ ما في الأمر أن الهجرة إلى الغرب لا تقتصر على العمال الفقراء، بل تشمل:

  • الأطباء والمهندسين.
  • الأساتذة والمخترعين.
  • الطاقات الشابة المتعلمة.

هذه العقول التي كلفت بلدانها تعليمًا ودعمًا، تُستقطب لتخدم الغرب.

الغرب لا يسرق فقط الذهب والنفط… بل يسرق العقول.

الخلاصة:

الهجرة إلى الغرب ليست مشروعًا إنسانيًا كما يروَّج، بل جزء من مشروع هندسي شامل لإعادة إنتاج الاقتصاد، والهوية، والسلطة.

المهاجر يُستخدم:

  • لتقوية الاقتصاد.
  • لتجميل الخطاب الأخلاقي.
  • لربح المعارك السياسية.
  • ولسدّ ثغرات النظام دون أن يصبح جزءًا حقيقيًا منه.

وما لم ندرك الفرق بين الرحمة الظاهرة والهندسة الخفية، سنبقى نرى اللجوء "باب نجاة"، بينما هو في كثير من الأحيان باب إخضاع جديد بصيغة ناعمة.

أحدث أقدم
🏠