
جسد الطفل كجبهة قتال
في العقيدة الأمنية الصهيونية، لا يُنظر إلى الطفل الفلسطيني ككائن بريء، بل كرمز لخطر قادم. إنه "العدو المؤجل" الذي يجب تحييده قبل أن يُمسك بالحجر أو القلم. عندما يُقتل طفل في حضن أمه تحت أنقاض بيته، لا يحدث ذلك نتيجة "خطأ استخباراتي"، بل ضمن رؤية ترى في كل جسد فلسطيني حاملًا لمشروع مقاومة محتمل. الجريمة هنا ليست عبثًا، بل سياسة تستهدف الوجود الفلسطيني من منبعه.
المرأة كحاضنة للهوية
تتعامل إسرائيل مع المرأة الفلسطينية باعتبارها أكثر من مجرد مدني، بل بوصفها وعاءً ديمغرافيًا وثقافيًا: هي التي تُنجب، وتُربي، وتُورّث الذاكرة. لهذا، فإن استهداف النساء ليس فقط تدميرًا للأسر، بل ضربٌ لبنية المجتمع ومُحفزاته الاستمرارية. والرسالة التي تريدها آلة الحرب الإسرائيلية واضحة: لن نكتفي بهدم البيت، بل سنهدم مصدر الحياة فيه.
الإعلام الغربي: غطاء الجريمة الناعم
إن الشريك غير المعلن في هذه الجرائم هو الإعلام الغربي المهيمن، الذي أعاد صياغة القتل ليبدو "ردًّا"، والمجزرة لتبدو "حادثًا مؤسفًا". تُستبدل مفردات مثل "استشهاد الأطفال" بعبارات مائعة كـ"سقوط قتلى"، وتُختزل الجرائم في لغة تقنية تخفي الفاعل الحقيقي. بهذا التواطؤ اللغوي، يُعاد إنتاج الجريمة في عقول المتلقين، وتُغسل أيادي القَتَلة على صفحات الجرائد.
حين تصبح الجريمة مشهدًا اعتياديًا
ما يُرعب أكثر من القتل، هو تعوّد الناس على مشهده. حين تُعرض صور أشلاء الأطفال في نشرات الأخبار كأمر طبيعي، وتصبح مشاهد الدمار خلفية بصرية "عادية"، فهذا يعني أن الجريمة نجحت في تحقيق هدفها الأعمق: تبلّد الضمير العالمي، وتحويل المجازر إلى روتين غير قابل للغضب. إسرائيل لا تكتفي بارتكاب الجريمة، بل تصرّ على جعل العالم يتعايش معها.
الأهداف والنتائج
1. الأهداف المباشرة للجريمة:
- ترهيب المجتمع الفلسطيني عبر استهداف الفئات الأكثر هشاشة.
- تدمير البنية السكانية والعائلية لتقويض الحاضنة الاجتماعية للمقاومة.
- الضغط النفسي الجماعي لإضعاف الروح المعنوية واستنزاف الصمود المدني.
2. الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى:
- إعادة هندسة الوعي الفلسطيني نحو الخضوع والتطبيع مع الخسارة.
- فرض معادلات أمنية جديدة تشرعن قصف المدنيين بوصفه "حربًا على الإرهاب".
- بثّ رسالة للعالم بأن "كل فلسطيني تهديد مشروع"، بما يُبرر استمرار العنف دون مساءلة.
3. النتيجة (الميدانية أو السياسية أو الإعلامية):
- تزايد السخط الشعبي والدولي، لكنه بقي حتى الآن دون ترجمة سياسية فاعلة.
- تكريس خطاب مزدوج في الإعلام العالمي: إدانات شكلية تغطي على شرعنة القتل.
- استمرار الاحتلال في جرائمه بلا تكلفة حقيقية، وسط انشغال عربي وتواطؤ دولي.
الخاتمة
في زمن لم يعد فيه للدم براءة، تتحول أجساد الأطفال والنساء إلى رسائل سياسية، لا ضحايا فحسب. وما تفعله إسرائيل اليوم أمام الكاميرات ليس مجرد إبادة، بل عملية دعائية مقلوبة: الجريمة تُعرض لا لتُدان، بل لتُعتاد، ويُعاد تطبيعها في لا وعي المتابع.
في هذه اللحظة التاريخية، لم يعد الصمت حيادًا، بل صار تواطؤًا موثَّقًا، والشاهد الذي لا يصرخ ليس إلا شريكًا يصفق للجريمة من بعيد.