
الخطاب المعلن
أستراليا تروّج لنفسها كديمقراطية حديثة قائمة على سيادة القانون وحقوق الإنسان، وتتبنّى خطابًا بيئيًا وأخلاقيًا في المحافل الدولية.
تقدّم نفسها كدولة سلام، تدعم قضايا السكان الأصليين، وتشارك في العمليات الإنسانية ومهام الأمم المتحدة.
تُصوّر على أنها جسر بين الشرق والغرب، وصاحبة موقف مستقل في المحيطين الهندي والهادئ.
الجانب المظلم
لكن الحقيقة أقل إشراقًا بكثير.
أستراليا بُنيت على إبادة ممنهجة للسكان الأصليين (الأبورجينيز)، الذين سُرقت أراضيهم، ومُحيت لغاتهم، وهُشّمت هويتهم الثقافية باسم "التمدين".
ولا تزال آثار تلك الجرائم مستمرة: تهميش اجتماعي، فقر، عنف منهجي، ونظام قضائي يميز ضد الأبورجينيز حتى اليوم.
أما على المستوى الدولي، فأستراليا ليست سوى قاعدة متقدمة لمصالح الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، في قلب آسيا والمحيط الهادئ.
قاعدة غربية متقدمة تحت قناع الاستقلال
رغم ادّعاءها بالحياد، فإن أستراليا هي حليف رئيسي في تحالفات أمنية وعسكرية أمريكية (AUKUS، ANZUS)، وتؤمّن أراضيها لبناء قواعد وتجارب استراتيجية أمريكية.
صراعات الصين والغرب في المنطقة جعلت أستراليا رأس حربة غربية متقدمة، تمارس دورًا تضييقيًا على الصين، وتُسهم في عسكرة المنطقة تحت خطاب "الحماية".
تضليل باسم البيئة وحقوق الإنسان
أستراليا تُعد من أسوأ الملوّثين بيئيًا في العالم، وهي من أكبر مصدّري الفحم، لكنها تلبس قناع "الريادة البيئية" في المؤتمرات الدولية.
تُمارس سياسات عنصرية ضد اللاجئين، تحت غطاء "السيطرة على الحدود"، وتحتجزهم في معسكرات معزولة (خاصة في ناورو وبابوا)، في ظروف غير إنسانية، وسط صمت إعلامي محكم.
الإعلام والديمقراطية المغشوشة
رغم كونها دولة ديمقراطية شكليًا، فإن الإعلام فيها مملوك بنسبة ساحقة من قبل قطب واحد: روبرت مردوخ، صاحب شبكات فوكس نيوز وغيرها، ما يجعل الخطاب الإعلامي منحازًا بشدة ومتحكمًا فيه.
النقاشات الحقيقية عن العدالة التاريخية، وإعادة الأرض للسكان الأصليين، تُهمّش، وتُقدَّم كمسائل رمزية لا كحقوق سيادية.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
الخطورة في النموذج الأسترالي أنه يُصدَّر كقالب مثالي، بينما يخفي ممارسات استعمارية حديثة، وموقعًا وظيفيًا داخل بنية الهيمنة الغربية.
فهم أستراليا لا كفردوس جغرافي، بل كموقع استراتيجي في صراع القوى، يكشف كيف تُستخدم "الديمقراطية البيضاء" أداة لتمرير الاستعمار بصيغته الجديدة.
والنقد هنا لا يستهدف الشعوب، بل الخطاب الذي يُجمّل الجريمة، ويُصمت على المظالم المستمرة باسم "النجاح".
الخاتمة التحليلية
أستراليا ليست مجرد قارة هادئة في أقصى الأرض، بل جزء فاعل في منظومة السيطرة العالمية.
من إبادة السكان الأصليين إلى عسكرة المحيط الهادئ، ومن تصدير الفحم إلى تلميع الوجه الديمقراطي، تقدم لنا نموذجًا لكيف يُبنى العالم الحديث على أنقاض العدل، ويُجمّل الاستعمار الجديد بشعار الاستقرار.
من لم يرَ في الفردوس وجه الاحتلال، فهو أسير صورته لا حقيقته.
وصف الصورة المقترحة:
خريطة أستراليا مغطّاة بعلم أبيض فيه بقعة حمراء تمتد كأنها دم، وفي الزاوية صورة ظلّ جندي أمريكي فوق قاعدة عسكرية، بينما يمشي في الخلف أبورجيني يجرّ حقيبة فارغة وخلفه لافتة مكتوب عليها "أرض بلا شعب".