إيران: ثورة المستضعفين أم دولة قمع تحكم باسم الغيب؟

حين تُذكر إيران، تحضر صورة الثورة الإسلامية، والعداء للغرب، ودعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن.

دولة ذات تاريخ حضاري طويل، تصدّر خطابًا ممانعًا، وتُروّج لنفسها كصوت الشعوب ضد الإمبريالية.
لكن هذا الخطاب الثوري يخفي وراءه واقعًا متشظيًا من القمع الداخلي، والتوسع الإقليمي، والانقسام الاجتماعي، باسم "الحق الإلهي" الذي لا يُسأل.

الخطاب المعلن

تقدّم إيران نفسها بوصفها دولة "المستضعفين"، و"المدافعة عن قضايا الأمة الإسلامية"، والمناهضة للهيمنة الأمريكية والصهيونية.
تتبنّى خطابًا ضد الفساد الغربي والانحلال الأخلاقي، وتعتبر نفسها حاملًا لرسالة إسلامية عالمية تنبع من "ولاية الفقيه".
وتروج لأن تدخلاتها الإقليمية هي واجب شرعي لحماية المستضعفين، ومواجهة المؤامرات الدولية.

الجانب المظلم

وراء هذه الشعارات، تتجلّى صورة لدولة بوليسية محكومة بأيديولوجيا دينية مغلقة، تمارس قمعًا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا باسم الدين والمذهب.

ولاية الفقيه: حكم مطلق مُقَدّس
يُمنح "المرشد الأعلى" سلطات شبه إلهية، لا يُحاسَب أمام البرلمان ولا الشعب.
كل مؤسسات الدولة، من القضاء إلى الإعلام إلى الجيش، خاضعة لنفوذه المباشر.
بهذا، تتحول الجمهورية الإسلامية إلى ثيوقراطية مقنّعة، حيث الشعب يُشارك ضمن حدود مرسومة سلفًا.

القمع باسم الدين
أي اعتراض على السياسات يُصنّف تلقائيًا على أنه "عداء للثورة"، و"تآمر على الإسلام".
المعارضون يُعتقلون أو يُنفون أو يُغتالون، والاحتجاجات تُواجَه بالعنف، كما حدث في انتفاضات 2009، و2017، و2022.
المرأة تُقمع باسم "الحجاب الإلزامي"، والاختلاف يُجرَّم باسم "الإفساد في الأرض".

الطائفية كأداة نفوذ
إيران لا تصدّر فقط الثورة، بل الطائفية أيضًا.
تتدخل في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، عبر أذرع طائفية تابعة لها.
باسم "المقاومة"، تُحكِم سيطرتها على شعوب المنطقة، وتُحوِّل قضايا عادلة إلى صراعات مذهبية تُضعف الجميع وتُرسخ نفوذها.

الاقتصاد بيد الحرس الثوري
الحرس الثوري ليس قوة عسكرية فقط، بل إمبراطورية اقتصادية تتحكم بمفاصل الدولة.
الشركات الكبرى، والعقود الضخمة، وحتى الموانئ والمناجم، تدار من خلاله أو تحت حمايته.
أي منافسة خارج هذا الجهاز تُسحق، مما يخلق اقتصادًا مغلقًا يحتكر الثروة ويقمع الإبداع.

الإعلام والدعاية الموجهة
كل وسائل الإعلام الرسمية خاضعة للدولة، وتُستَخدم كأدوات تعبئة دينية وسياسية.
وحتى الإعلام "الخاص" لا يخرج عن الخط الأحمر.
وفي الخارج، تُموَّل قنوات وصحف ومنصات تخدم سردية النظام وتهاجم خصومه باسم الدين والمقاومة.


تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري

التحرر لا يكون بمجرد الوقوف ضد أمريكا أو إسرائيل، بل حين يتحرر الإنسان في وطنه من الظلم، والخوف، والرقابة، باسم أي شعار كان.
علينا أن نميز بين دعم قضايا عادلة، وبين دعم أنظمة توظّف القضايا لتبرير تسلطها.
فالمقاومة الحقيقية تبدأ من الداخل: من كرامة المواطن، من حريته في التفكير، وحقه في نقد السلطة دون أن يُتهم بالكفر أو الخيانة.
لا يمكن مقاومة الاستعمار وأنت تمارس الاستبداد، ولا يمكن أن تكون ضد الطائفية وأنت تبني نفوذك على أساس مذهبي.

الوعي النقدي يدعونا لسؤال أساسي:
هل إيران تدعم الشعوب أم تستخدمهم؟
هل الثورة لا تزال ثورة، أم تحوّلت إلى نظام يُعيد إنتاج كل ما ادّعى مقاومته؟

الخاتمة التحليلية

إيران دولة تخلط بين المظلمة التاريخية والسلطة المطلقة، بين خطاب المقاومة وواقع التسلّط.
من لا يرى في "الثورة الإسلامية" إلا شعارات التحرر، يغفل أن هذه الثورة أقامت نظامًا مغلقًا لا يَسمح بالتحرر الداخلي.
ومن يظن أن العداء لأمريكا يُبرر كل القمع، يشارك في تبرير الاستبداد بلون ديني.
المطلوب اليوم ليس فقط تفكيك الهيمنة الغربية، بل تفكيك كل منظومة توظّف الدين والمظلومية لإعادة إنتاج الطغيان، سواء أكانت بثياب العمامة أو البزّة العسكرية.

أحدث أقدم
🏠