مصر: دولة محورية أم جمهورية الخوف؟

تُقدَّم مصر إعلاميًا كقائدة العرب، وحامية الاستقرار، ودرع الأمة ضد الإرهاب.

بلد يزخر بالتاريخ، والثقافة، والموقع الجغرافي الخطير.
لكن خلف هذه الصورة، تعيش مصر واقعًا خانقًا: استبداد غير مسبوق، سحق للحريات، ومشهد سياسي مفرغ من أي حياة، بينما يُباع كل ذلك للعالم بوصفه "ضمانة للاستقرار".

الخطاب المعلن

الخطاب الرسمي المصري يتمحور حول ثلاث ركائز:

  1. محاربة الإرهاب: تسويق دائم بأن الجيش يخوض "حربًا مقدسة" ضد الإرهاب في سيناء، ما يبرر عسكرة الدولة وتقييد الحريات.
  2. حماية الدولة: الحديث المتكرر عن "الدولة المصرية" ككيان مقدس، يجب الدفاع عنه ضد "الخراب"، و"المؤامرات".
  3. الاستقرار مقابل الحريات: يَصوَّر أي نقد على أنه تهديد مباشر للفوضى، في بلد عانى من اضطرابات ما بعد 2011.

وفي الخارج، تسوّق مصر نفسها كـ"شريك موثوق" في مكافحة الهجرة، والإرهاب، وضامن لمصالح الغرب في الشرق الأوسط، خاصة في ملف غزة وإسرائيل.

الجانب المظلم

وراء هذا الخطاب، تنكشف ملامح جمهورية أمنية، تقتل كل أشكال النقد، وتُعيد إنتاج نفس منظومة القمع بأدوات أكثر حداثة، ووجه أكثر خشونة.

الاستبداد المُعمَّم
منذ انقلاب 2013، دخلت مصر مرحلة من القمع لم تشهدها في تاريخها الحديث:

  • آلاف المعتقلين السياسيين، بينهم أطفال وقُصَّر.
  • الإخفاء القسري والتصفية الجسدية.
  • المحاكمات العسكرية للمدنيين.
  • غلق المجال العام تمامًا أمام أي معارضة، بما في ذلك المعارضة التي كانت من داخل النظام نفسه.

الإعلام كآلة ترويج وتخدير
تمت السيطرة شبه الكاملة على الإعلام، من خلال الأجهزة الأمنية.
تكرار نفس الرسائل: "الجيش هو الدولة"، "الرئيس هو المنقذ"، "المعارضة = خيانة".
ولا يُسمح بظهور أي صوت مخالف في الإعلام الرسمي أو الخاص، الذي أصبح جزءًا من آلة دعائية ضخمة.

الجيش يتحول إلى دولة اقتصادية
الجيش لم يعد حاميًا للحدود، بل تحول إلى إمبراطورية اقتصادية تدير الفنادق، والطرقات، ومحطات الوقود، وحتى صناعة المكرونة.
ويُمنح الجيش امتيازات غير خاضعة للرقابة أو الضرائب أو المساءلة، مما يخلق اقتصادًا مغلقًا يقتل المنافسة ويُجهز على السوق.

بيع الأصول مقابل البقاء
باسم التنمية، تم التفريط في موانئ، وأراضٍ، وقطاعات كاملة من الدولة لصالح مستثمرين أجانب، خصوصًا من الخليج.
كل ذلك في سبيل تأمين دعم سياسي للنظام، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وتضخم مرعب، وديون خارجية ضخمة تُرهق الأجيال القادمة.

غزة بوابة الابتزاز السياسي
أحد أخطر أوراق النظام المصري هي غزة.
تُستخدم معاناة الفلسطينيين كورقة مساومة مع الغرب، ويتم فرض الحصار عبر معبر رفح من الجانب المصري، بما يضمن ضبط حدود إسرائيل، ويمنح مصر دورًا وظيفيًا لا علاقة له بالسيادة أو الأخلاق.

تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري

التحرر يبدأ حين نُدرك أن الاستقرار الحقيقي لا يأتي من الخوف، ولا من قتل السياسة، ولا من عسكرة الاقتصاد.
لا يمكن أن تبني وطنًا فيما تُحطِّم كل قواه الحيّة، وتقمع المثقفين، وتسجن الصحفيين، وتمنع الحركات الشبابية.
ولا يمكن الحديث عن "حماية الدولة" بينما يتم بيع أصولها، وقمع شعبها، وتحويلها إلى كيان وظيفي يخدم الخارج أكثر مما يخدم الداخل.

علينا أن نتوقف عن تكرار أسطوانة "الأمن أهم من الحرية"، فبدون حرية لا أمن، وبدون مساءلة لا كرامة، وبدون مشاركة لا دولة.

الخاتمة التحليلية

مصر اليوم ليست دولة في طور البناء، بل سلطة تُعيد إنتاج الاستبداد بأدوات أكثر شمولًا.
دولة تُحكم بشبح الخوف، وتُختزل في فرد، وتُقيَّم بمدى رضا الخارج عنها لا بمدى رضا شعبها.
إنها نموذج مثالي لما يحدث حين تتحوّل الدولة إلى أداة لحماية النظام، بدل أن يكون النظام أداة لخدمة الدولة والشعب.

التحرر من هذا النموذج لا يكون فقط عبر تغيير الأشخاص، بل بتفكيك سردية "الدولة مقابل الشعب"، و"الجيش مقابل الوطن"، و"الرئيس مقابل الفوضى"، وهي سرديات خُلقت لتخدير العقول، لا لبناء مستقبل.

أحدث أقدم
🏠