الهند: ديمقراطية المليار أم فاشية الأغلبية؟

تُقدَّم الهند كـ"أكبر ديمقراطية في العالم"، بلد المليار والنصف، التنوّع الديني، والتقدّم التكنولوجي، والمراكز البحثية، وصناعة الأفلام الملونة.

نموذج يُروَّج له باعتباره بديلًا حضاريًا صاعدًا، ومُعادلًا آسيويًا للغرب، قادر على الجمع بين الحداثة والهوية.
لكن هذا الوجه المشرق يُخفي واقعًا شديد القسوة: عنف طائفي، اضطهاد للأقليات، وصعود فاشية قومية تغلّف نفسها بالديمقراطية.

الخطاب المعلن

الهند تتبنّى خطابًا علمانيًا تعدديًا منذ استقلالها، وتدّعي أنها نموذج ديمقراطي راسخ، تتنافس فيه الأحزاب في أجواء من الحرية، ويمثل جميع فئات المجتمع.
كما تُصدّر صورة الدولة الناجحة في محاربة الفقر، وتعزيز مكانتها الدولية، والانفتاح الاقتصادي، والانتصار للسلام في نزاعات الجوار.

الجانب المظلم

لكن خلف هذا الخطاب، تتصاعد في الهند نزعة قومية هندوسية متشددة، تقودها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة ناريندرا مودي، تستهدف إعادة تشكيل الدولة على أسس "هندوتفا" – أيديولوجيا تعتبر الهند أمة هندوسية نقية، يجب تطهيرها ثقافيًا ودينيًا.

أقليات تحت الحصار
المسلمون، الذين يزيد عددهم عن 200 مليون، يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية:
يتعرضون لحملات كراهية علنية، واعتداءات غوغائية، وتحريض إعلامي يومي، بل تُسحب منهم الجنسية في بعض الولايات، ويُمنعون من بيع اللحوم أو ارتداء رموزهم الدينية.

ديمقراطية صورية، وتحكم الأقلية بالأغلبية
النظام البرلماني الهندي، رغم انتخاباته المنتظمة، أصبح أداة لتكريس سلطة الحزب الحاكم، الذي يُمارس القمع باسم "حماية القيم"، ويقيد الإعلام، ويطارد الصحفيين، ويستغل القضاء لتصفية الخصوم.
الأصوات المعارضة تُشيطن، والحركات الطلابية والنقابية تُقمع، ويُعاد تشكيل الخطاب الوطني ليطابق هوى القومية الهندوسية.

فقر مدقع تحت غطاء النمو
رغم الادعاء بتحقيق قفزات اقتصادية، فإن التفاوت الطبقي في الهند يُعد من الأعلى عالميًا.
مئات الملايين يعيشون في أحياء الصفيح بلا كهرباء أو مياه، في حين تُنفق الدولة ببذخ على مشاريع فضائية واستعراضات عسكرية، لتغذية فخر وطني فارغ المحتوى.

كشمير: مستعمرة داخل الدولة
الهند تحكم كشمير بقبضة حديدية، ألغت حكمها الذاتي، وقسّمتها إداريًا دون مشورة أهلها، وفرضت عليها حظرًا أمنيًا دائمًا، وقيّدت الإعلام والإنترنت، واعتقلت الآلاف.
تُعامل المنطقة كعدو داخلي، لا كجزء من الأمة، وتُبرَّر هذه الانتهاكات بأنها "حرب على الإرهاب".

تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري

التحرر من وهم "الهند الديمقراطية" يقتضي أولًا تفكيك الصورة التي تُسوّق في الإعلام العالمي: أن الانتخابات تعني عدالة، وأن الاقتصاد يعني مساواة، وأن التنوع الظاهري يغني عن الحريات الفعلية.

وعي الشعوب العربية خاصة يجب أن يُعيد النظر في تصورات "التحالف مع الشرق" كخلاص من الاستعمار الغربي، لأن نموذجًا كالهند يُبرِز أن الاستبداد ليس حكرًا على الغرب، وأن الاستعمار قد يُمارَس بأيدٍ محلية، تحت رايات الأغلبية، وتحت غطاء "الوحدة الوطنية".

التحرر الفكري يبدأ من فضح التواطؤ بين الدولة والدين القومي، ومن رفض اختزال الأمة في دين أو عرق، لأن ذلك يُنتج قمعًا لا يقل عن أي ديكتاتورية عسكرية.

الخاتمة التحليلية

الهند، التي يُحتفى بها كمعجزة ديمقراطية، تُمارس قمعًا بنيويًا باسم الأغلبية، وتبني مشروعها القومي على أنقاض العدالة والتعدد.
ليست النموذج البديل عن الهيمنة الغربية، بل نموذجًا آخر من الاستبداد المقنّع بالديمقراطية، والقومية المغلّفة بالتكنولوجيا، والانتماء المزيف الذي يبتلع الآخر المختلف.
من لم يرَ في صعود الهند صعودًا للفاشية، لا يقرأ إلا العناوين، لا الواقع.

أحدث أقدم
🏠