
الخطاب الأمريكي: بين الشرعية والردع
تتبنّى الولايات المتحدة خطابًا متماسكًا ظاهريًا يقوم على "منع انتشار الأسلحة"، خاصة تلك التي قد تهدّد الاستقرار أو تُستخدم في انتهاك حقوق الإنسان. وتحت هذا الشعار، تُفعّل واشنطن حظر تصدير الأسلحة أو فرض قيود صارمة على بعض الدول، استنادًا إلى:
- قوانين "ITAR": وهي أنظمة التحكم في تصدير الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية.
- قانون "كاتسا" CAATSA: الذي يعاقب الدول التي تشتري أسلحة من روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية.
- تصنيفات خاصة لحقوق الإنسان والإرهاب.
لكن هذه السياسات كثيرًا ما تُكسر عند الاصطدام بالمصالح الجيوسياسية، فيتحوّل الحظر إلى أداة ضغط، ويُمنح "الاستثناء" لمن يخدم الأجندة الأمريكية.
حالات الحظر: من تُمنع عنه القوة؟
1. إيران
- تخضع إيران لحظر شامل منذ الثورة الإسلامية 1979، ويُعتبر تسليحها تهديدًا للمنطقة من وجهة النظر الأمريكية.
- حتى بعد توقيع الاتفاق النووي، بقيت واشنطن تعارض تحديث ترسانة إيران التقليدية.
2. مصر بعد 2013
- بعد عزل مرسي، فرضت إدارة أوباما قيودًا على المساعدات العسكرية لمصر، لكنها خُففت لاحقًا مع تصاعد نفوذ روسيا في المنطقة.
3. تركيا بعد صفقة S-400
- رغم كونها عضوًا في الناتو، واجهت أنقرة عقوبات CAATSA بعد شرائها منظومة الدفاع الروسية، وجرى استبعادها من برنامج مقاتلات F-35.
4. دول عربية حاولت تنويع مصادر السلاح
- السعودية والإمارات واجهتا ضغوطًا لمنع تعاونهما مع الصين وروسيا في مجالات الطائرات دون طيار والصواريخ الذكية.
- حتى المغرب وقطر تعرضتا لمفاوضات سرية لتحجيم اعتمادهم على تقنيات خارج التحالف الأمريكي.
استثناءات مقنّعة: من يُسمح له بالتسلّح؟
1. إسرائيل
- تحصل إسرائيل على أحدث الأنظمة دون قيود، بما فيها صواريخ "أرو 3" وطائرات F-35، وتشارك في تطوير تقنيات أمريكية داخل حدودها.
2. أوكرانيا
- حصلت على دعم تسليحي هائل دون شروط واضحة، رغم وجود تقارير عن خروقات لحقوق الإنسان في الحرب.
3. إندونيسيا وتركيا: تحالفات مرنة
- رغم شراء إندونيسيا طائرات تركية حديثة (KAAN) وتطوير درونات متقدمة، لم تُعارض واشنطن الصفقة لأنها:
- لا تهدد التوازن مع حلفائها.
- تُستخدم لموازنة النفوذ الصيني.
- لا تشمل تكنولوجيا أمريكية حرجة تخضع للحظر.
تحليل: ما الذي يُحدد موقف واشنطن؟العامل \ الأثر في سياسة التسليح
التبعية الجيوسياسية: كلما كانت الدولة ضمن التحالف الغربي، زادت حرية تسليحها
مصدر التكنولوجيا: السلاح الأمريكي الصنع يخضع للرقابة، أما المحلي أو الصيني فلا
طبيعة النظام السياسي: الأنظمة غير الديمقراطية تُعاقب نظريًا، لكن يُستثنى منها من يخدم مصالح واشنطن
العدو المشترك: إذا كان خصم الدولة المستهدفة هو خصم لأمريكا (كإيران أو الصين)، تُمنح تسهيلات استثنائية
خاتمة تحليلية
في نهاية المطاف، لا تعمل واشنطن كشرطي عالمي حيادي في سوق السلاح، بل كـ"حارس مصالح" بامتياز. فالحظر يُفرض حين تتعارض رغبة الدولة بالتسلح مع السيطرة الأمريكية، ويُرفع حين تُصبح القوة أداة تخدم مشاريعها.
ولذلك، من يسعى إلى امتلاك القوة عليه أن يسأل: هل أملك قراري أولًا؟
ففي نظامٍ يزن الحق بالقوة، فإن أولى معارك التحرر تبدأ باستقلال القرار التسليحي.