الوهابية: أسطورة الدولة الحديثة.. من حلم العدالة إلى احتكار القهر

الوهابية والتحالف االديني السياسي: 
غُرِس في أذهان الشعوب أن الدولة الحديثة هي ذروة التقدم الإنساني، وأنها تمثل العدالة، المؤسسات، و"سيادة القانون". 
لكن خلف هذا الإطار المثالي، تتوارى الحقيقة الصادمة: الدولة الحديثة كثيرًا ما كانت أداة لقمع الداخل، وخدمة مصالح النخب، 

وتكريس الهيمنة بدلًا من التحرر.


أولًا: ميلاد على وقع الدم

لم تولد الدولة الحديثة من رحم التعاقد السلمي، بل من رحم الحروب. أوروبا لم تُنتج الدولة إلا بعد قرون من سفك الدماء في حروب دينية واقطاعية وصراعات على السلطة. فتمركز القوة في يد واحدة لم يكن لتوفير العدالة، بل لضبط العنف من قِبَل جهة واحدة... وليس لإنهائه.

ثانيًا: احتكار العنف باسم النظام

تعريف الدولة الحديثة عند ماكس فيبر هو "الجهة التي تحتكر ممارسة العنف المشروع". وهو تعريف يُخفي خلفه مصيبة: أن القتل باسم الدولة مشروع، والبطش مقنن، والاعتراض جريمة. وهكذا تحوّل المواطن من شريك في الدولة إلى "مُراقَب" فيها.

ثالثًا: الدولة ليست محايدة

تُقدَّم الدولة كجهاز محايد يُدير شؤون المجتمع. لكن من يملك قرار الدولة؟ من يضع قوانينها؟ من يحتكر تمثيلها؟ إن ما يسمى بالدولة ليس كيانًا مفارقًا بل تجسيد لموازين القوى داخل المجتمع. وغالبًا ما تُستخدم الدولة لحماية الطبقة الغالبة، وتبرير سياساتها، وقمع من يهدد امتيازاتها.

رابعًا: نموذج التصدير القسري

حين صُدّر نموذج الدولة الحديثة إلى الشرق، لم يُصدَّر معه سياقه التاريخي، بل فُرض كقالب جاهز: شرطة، علم، نشيد، مؤسسات، ولكن دون مضمون شعبي أو عقد اجتماعي حقيقي. فصار لدينا "شكل" الدولة، بلا مضمون، وبات القمع يرتدي بدلة رسمية.

خامسًا: أين الشعب من كل هذا؟

الشعب في الدولة الحديثة يُستدعى فقط في صناديق الاقتراع، أو في الخُطب الوطنية، أو حين يُطلب منه "دفع الثمن". أما القرار فبيد من يملكون السلطة، والمال، والإعلام. وغالبًا ما يُطلب من الشعب أن "يقدّس الدولة"، حتى لو كانت تدهسه.

خاتمة: الدولة... مشروع ينبغي مساءلته

الدولة ليست كائنًا مقدسًا، ولا هي قدر حتمي. هي أداة. والسؤال ليس: هل مع الدولة أم ضدها؟ بل: أيّ دولة؟ ولمن؟ وبأي شروط؟ فحين تُصبح الدولة غولًا لا يمكن مساءلته، تتحول إلى نسخة عصرية من الاستبداد، مغطاة بورق شفاف من "القانون".


أحدث أقدم
🏠