
المنظمات الدولية: من الحماية إلى الاستهداف
لطالما شكلت المنظمات الدولية في الأراضي الفلسطينية طوق نجاة إنساني في ظل الاحتلال والحصار والدمار المتكرر. من الأونروا إلى منظمات الإغاثة الطبية والحقوقية، كانت هذه الهيئات تُمثل بصيص أمل، ونافذة تذكير للعالم بأن هناك شعبًا يُعاني ويُجاهد للبقاء.
غير أن إسرائيل، وفي كل عدوان جديد، تعمد إلى استهداف تلك المنظمات، ليس فقط كأضرار جانبية، بل عبر قصف مباشر لمقارّها، واغتيال لموظفيها، واتهامات ممنهجة تتهمهم بدعم “الإرهاب”.
لماذا تستهدف إسرائيل المنظمات الدولية؟
الأهداف المباشرة للجريمة:
- تدمير البنية التحتية للمنظمات التي تقدم خدمات إنسانية للفلسطينيين.
- قتل أو ترهيب الموظفين المحليين والدوليين لمنعهم من العمل داخل غزة.
- منع التوثيق الميداني للجرائم، واستباق تقارير الإدانة.
الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى:
- تجفيف موارد الصمود المدني عبر منع الغذاء، العلاج، المأوى، والدعم النفسي.
- طمس الشهادات الدولية المحايدة التي توثق انتهاكات الاحتلال وتنقلها للعالم.
- خلق فراغ مؤسسي في الساحة الفلسطينية يجعل الاحتلال هو المتحكم الوحيد بالواقع الميداني والإنساني.
- إضعاف شرعية المقاومة أمام المجتمع الدولي من خلال الزج بالمنظمات الدولية في إطار "دعم الإرهاب".
النتيجة:
- تقليص قدرة المؤسسات الدولية على العمل بحرية أو توثيق جرائم الاحتلال.
- بث الخوف بين موظفي الإغاثة مما يؤدي إلى انسحاب بعض المنظمات أو تقليص أنشطتها.
- تحويل الخطاب الدولي إلى خطاب ملتبس يساوي بين الضحية والجلاد، ويُضعف أي حراك حقوقي حقيقي.
من الحصانة إلى التواطؤ الصامت
الأخطر من الاستهداف المباشر، هو ذلك التواطؤ الصامت من قبل بعض هذه المنظمات، أو عجزها المقصود عن تسمية المعتدي باسمه. إذ يلاحظ أن كثيرًا من البيانات الصادرة عن بعض المؤسسات تكتفي بعبارات “ندين استهداف المدنيين من أي طرف”، رغم أن كل الوقائع تُشير إلى عدوان أحادي سافر من قِبل الاحتلال.
حين يُقتل الموظف الدولي ولا يتحرك أحد
قُتل عدد من موظفي منظمات الإغاثة الدولية في الحروب الأخيرة، ومع ذلك لم نشهد تحقيقات أممية جادة، ولا عقوبات، وكأن حياة الموظف الدولي باتت بلا قيمة إذا سقطت على تراب فلسطين.
منظمات أممية في اختبار الصدقية
الحياد لا يعني الصمت، بل الشهادة للحق. والمنظمات التي لا تجرؤ على تسمية الجلاد، تُسهم بشكل غير مباشر في تكريس الظلم. وهذه أزمة أخلاقية جوهرية تمسّ شرعية وجودها ودورها في مناطق النزاع.
خلاصة
استهداف إسرائيل للمنظمات الدولية في غزة وفلسطين ليس خطأً عرضيًا، بل سياسة منهجية تهدف إلى كسر أدوات الإغاثة، وطمس الشهود، وخنق ما تبقى من أنفاس الحياة.
وعندما يصبح شاهد الجريمة مُطارَدًا، فإن المجرم يزداد وقاحةً، وتتحوّل الساحة إلى مسرح للتضليل، لا للعدالة.