
مشاهد الفتيان المربوطين من أيديهم، والطفلات المذعورات في منتصف الليل يُسحبن من منازلهن، ليست استثناءات، بل تكرار يومي لصورة الاحتلال في أكثر وجوهه بشاعة. هؤلاء الأطفال لم يُعتقلوا بعد محاكمات عادلة، ولا بسبب تهديد أمني حقيقي، بل فقط لأنهم أبناء الأرض، لأنهم جزء من مجتمع يُراد له أن يتهشم من الداخل، وتُكسر روحه مبكرًا.
وقد صعّدت سلطات الاحتلال منذ اندلاع معركة "الطوفان المقدس" من وتيرة هذه الاعتقالات، لتتحول إلى سلاح معلن في حربها النفسية والاجتماعية ضد الفلسطينيين، وكأنها تحاول زرع الخوف في الجيل القادم، وتفكيك النسيج الأسري من جذوره، عبر استخدام أكثر العناصر ضعفًا في المجتمع كرهائن للردع الجماعي.
لكن السؤال الأهم ليس عن الفعل، بل عن القصد. لماذا تُصر إسرائيل على اعتقال الأطفال والنساء بشكل عشوائي؟ وهل هذا السلوك الوحشي يُعبر عن ذُعر، أم عن استراتيجية متقنة التخطيط؟
تحليل السياق: حين يُوظف الاعتقال كأداة تفكيك
لا يمكن فهم ظاهرة الاعتقالات العشوائية بمعزل عن المشروع الصهيوني الأشمل، القائم على محو الهوية الفلسطينية من جهة، وزرع الشعور بالعجز واللاجدوى من جهة أخرى. فعندما يُختطف طفل لمجرد أنه كان يلعب أمام بيته، أو تُسحب أمّ من بين أطفالها بذريعة "التحريض على فيسبوك"، فإن الرسالة ليست أمنية، بل سياسية: أنتم جميعًا أهداف مشروعة.
الاعتقال، في هذه الحالة، لا يعود أداة ضبط سلوك فردي، بل أسلوبًا لتطويع الوعي الجمعي، وكسر الروح الوطنية منذ الطفولة. وهو أيضًا وسيلة لمعاقبة الجماعة من خلال الأفراد، وفق سياسة "العقوبة الموجهة"، التي تجعل من كل بيت فلسطيني ساحة تهديد دائمة.
الأهداف والنتائج
- بث الرعب في صفوف المدنيين من خلال استهداف الفئات الأضعف (الأطفال والنساء).
- الضغط على العائلات الفلسطينية للتعاون أو التراجع عن أي نشاط مقاوم أو احتجاجي.
- انتزاع معلومات بالقوة أو استخدام المعتقلين كورقة مساومة مستقبلية.
- تفكيك البنية المجتمعية للفلسطينيين عبر ضرب الأسرة من داخلها.
- تطويع الأجيال الجديدة منذ الصغر عبر الترهيب المبكر وكسر الروح.
- تصدير صورة للفلسطيني كخطر دائم، حتى وهو طفل أو امرأة، لتبرير القمع داخليًا ودوليًا.
- تصاعد الغضب الشعبي وازدياد الحنق ضد الاحتلال، لكنه لا يجد صداه في المحافل الدولية.
- انكشاف فاضح لأكذوبة "الجيش الأخلاقي" أمام الرأي العام العالمي، دون أن يترتب على ذلك مساءلة حقيقية.
- تزايد عدد المنظمات الحقوقية التي توثق هذه الانتهاكات، مقابل اتساع هوة العجز العربي والتواطؤ الأممي.
خاتمة: حين يتحول الجرح إلى ذاكرة وطنية
الطفل الذي يُعتقل اليوم دون سبب، سيكبر وهو يحمل في قلبه رواية شخصية عن القمع. والمرأة التي يُرعبها جنود مدججون بالسلاح في عتمة الليل، ستصبح شهادة حية على زيف ما يُروَّج عن "ديمقراطية إسرائيل". إن هذه الجرائم التي تبدو آنية وعشوائية، هي في الحقيقة استثمار استراتيجي في كراهية طويلة الأمد، لا يُمكن أن تنتج سلامًا، ولا أمنًا، بل مزيدًا من الانفجار القادم.
في النهاية، قد ينجح الاحتلال في كسر الأجساد، لكنه يفشل دومًا في إسكات الذاكرة.