استهداف الصحفيين وحظر وكالات الإعلام: حين تصبح الكاميرا هدفًا عسكريًا

لم تكن الصحافة يومًا طرفًا في الصراع، بل شاهدًا عليه. غير أن إسرائيل، بجرأة غير مسبوقة، حوّلت هذا الشاهد إلى هدف مشروع، فلم تعد تكتفي بتشويه الرواية، بل قررت قصف من يروي. ومن غزة إلى الضفة، ومن مراسلي الميدان إلى مقارّ وكالات الأنباء، باتت الكاميرا تُعامل كما لو كانت بندقية، والكلمة كأنها صاروخ يجب إسكاته.

لا يمكن اعتبار استهداف الصحفيين وحظر مكاتب الإعلام مجرد تجاوزات فردية أو أخطاء ميدانية، بل هي سياسة ممنهجة ترتكز على أمرين: أولًا، إلغاء الصوت الفلسطيني من الفضاء الإعلامي، وثانيًا، منع العالم من رؤية المجازر وهي ترتكب. لقد طالت الاستهدافات الصحفية جميع الأشكال: قصف مباشر للصحفيين، هدم مكاتب وكالات إعلامية دولية، اعتقال المراسلين، حظر القنوات، وملاحقة المحتوى الرقمي الفلسطيني على منصات التواصل.

ليست هذه الممارسات جديدة، لكنها تصاعدت بشكل غير مسبوق خلال حرب غزة 2023، حيث قُتل صحفيون بأسمائهم وهُدمت مقارّ إعلامية بعينها. ولم يُخفِ قادة الاحتلال نواياهم، بل صرّحوا علنًا أن الإعلام المعادي يجب أن يُخرس. وترافق ذلك مع ضغط سياسي على شركات التكنولوجيا لحجب المحتوى الفلسطيني، في تكامل واضح بين القصف العسكري والرقابة الرقمية.

ما يحدث ليس فقط قتلًا للصحفيين، بل محاولة لقتل الحقيقة، وحصار مزدوج: ميداني على الأرض، ومعلوماتي على الوعي. فحين يُحظر المراسل، ويُعتقل المصوّر، ويُقصف مقر الوكالة، يُترك السرد الإسرائيلي بلا منافس، ليصوغ وعي الجمهور العالمي كما يشاء، ويُخفي جرائمه تحت ضجيج روايته الرسمية.

في ظل هذا التعتيم، تغدو كل صورة تُنجى من تحت الركام، وكل شهادة توثَّق من الميدان، عملًا بطوليًا في وجه آلة السحق الإعلامي. وفي المقابل، كل صمت عالمي عن هذه الجرائم يمثل تواطؤًا في دفن الحقيقة.

الأهداف والنتائج:

  1. الأهداف المباشرة للجريمة:
    إسكات الصحفيين الفلسطينيين، تعطيل التغطية الإعلامية للمجازر، وبثّ الخوف في صفوف العاملين بالمجال الإعلامي لردعهم عن أداء مهامهم.

  2. الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى:
    فرض سردية إسرائيلية واحدة للصراع، والتحكم في الوعي العالمي من خلال منع تداول الرواية الفلسطينية، وتشويه المقاومة إعلاميًا عبر حجب الطرف الآخر.

  3. النتيجة (الميدانية أو السياسية أو الإعلامية):
    تصاعد النقد الدولي لمحاولات إسكات الإعلام، لكن مع بقاء الغلبة الميدانية للسرد الإسرائيلي في كثير من المنصات العالمية، نتيجة القمع الإعلامي والسيطرة التقنية.

خاتمة

في عالم يُفترض أنه يحترم حرية التعبير، تُرتكب أكبر الجرائم حين تُكسر الكاميرا وتُكمم الكلمة. وما تفعله إسرائيل ليس فقط انتهاكًا لقوانين الحرب، بل اعتداء سافر على حق البشرية في أن تعرف. فحين يُغتال الصحفي، لا يُقتل فرد، بل تُصاب الحقيقة برصاصة. وحين تُهدم مكاتب الإعلام، يُهدم معها جدار الوعي، لتبقى الجرائم بلا شهود.

أحدث أقدم
🏠