استخدام الدروع البشرية: حين يتحوّل الإنسان إلى جدار صدّ للرصاص

في الحروب، ثمّة ما يُعرف بقوانين الشرف العسكري. حتى الجيوش الغاشمة تُضطر لتزيين جرائمها بشيء من اللغة القانونية. لكن في غزة، تُمارَس الجريمة علنًا، وبلا رتوش. من ذلك استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، في انتهاك سافر لكل مواثيق القانون الدولي الإنساني.

ليس هذا مجرد استهتار بالحياة، بل هو توظيف فجّ للمدنيين العزّل كأداة في المعركة: يُقيَّد المواطن، ويُجبر على التقدّم قبل الجندي، أو يُحتجز داخل بيت تحت النار، أو يُربط على ظهر مدرعة تتقدّم في الأزقة، ليُحرق جسده إن انفجر لغم، وتنجو الآلة.

ربط المدنيين على الآليات العسكرية

واحدة من أبشع صور هذه الجريمة هي استخدام المدنيين كـ"كشافات ألغام بشرية". فقد وثّقت مقاطع مصوّرة وربما لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، قيام جنود الاحتلال بربط أطفال أو شبّان فلسطينيين على مقدمة المدرّعات أو ظهور الآليات، لتسبقهم في اقتحام الأزقّة الضيّقة، أو تمرّ أمامهم لاكتشاف العبوات والفخاخ.

هذه ليست استهانة بالإنسان فقط، بل هي إعلان رسمي بأن حياة الفلسطيني لا تساوي ثمن المدرعة.

اقتحام البيوت بالأجساد

تُظهر تقارير حقوقية عديدة حالات أجبرت فيها قوات الاحتلال شبّانًا فلسطينيين على اقتحام منازل يُشتبه بوجود مقاومين فيها، وهم مقيَّدون وتحت تهديد السلاح.
الجندي يختبئ خلف مدنيّ، والمدني يُدفع إلى الموت ليضمن أمن الغازي. في بعض الحالات، احتُجزت عائلات بأكملها داخل منازل استُخدمت كنقاط مراقبة أو منصّات إطلاق.

دروع بشرية بالمقلوب

والمفارقة أن الاحتلال، في حربه الإعلامية، يتهم المقاومة باستخدام المدنيين كدروع بشرية حين تنطلق صواريخ من مناطق مأهولة. لكنه يغضّ الطرف عن كونه هو من يفرض هذا التداخل الجغرافي بإغلاقه المعابر، وحصاره المدن، وقصفه العشوائي.
النتيجة: أن الفلسطيني يُتَّهَم حين يحتمي بمنزله، ويُستَغَل حين يُجبَر على حماية الجندي بجسده.

الأهداف والنتائج

  1. الأهداف المباشرة للجريمة:
    تقليل الخسائر في صفوف جيش الاحتلال باستخدام أجساد المدنيين كحواجز أمام الألغام، أو واجهات اقتحام، أو عوازل بشرية للنيران.

  2. الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى:
    نزع صفة "الإنسان" عن الفلسطيني في الوعي العسكري والسياسي، وإشاعة رسائل نفسية للشعب الفلسطيني مفادها أن أجسادهم ليست لهم، بل أدوات في آلة القمع.

  3. النتيجة:
    تكريس واقع الحرب غير المتكافئة، مع فقدان الثقة العالمية في جدوى القانون الدولي الذي يشاهد هذه الممارسات دون مساءلة، ما يجعل الجريمة لا تُرتكب فقط، بل تُكرَّر بوقاحة.

حين تصبح الحياة وقودًا لسلامة الدبابة

في عرف الاحتلال، الآلة أغلى من الجسد، والجندي أرفع من المواطن. لهذا، لا غرابة أن يُربط إنسان أعزل على ظهر مدرعة، وأن يُجبر طفل على طرق باب بيت مشبوه، ليموت بدلًا من جندي مُسلّح، في مشهد لا يحتاج إلى تعليق، بل إلى صرخة.

أحدث أقدم
🏠