
لكن في الأشهر الأخيرة، تجاوزت عمليات الاحتلال حدود "الاقتحام الأمني"، إلى مشروع تفكيك منهجي: تجريف المخيمات، تهجير سكانها قسريًا، تحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة، بل وهدم البنية التحتية كليًا تحت غطاء "محاربة الإرهاب".
المخيم: ذاكرة مشاغبة يجب سحقها
في العقل الصهيوني، المخيم ليس مجرد مكان سكن، بل رمز للنكبة، ومنشأ للمقاومة، وخزان شعبي يتوارث الوعي والتحدي. لذلك فإن تهجيره لا يهدف فقط إلى "تهدئة الوضع الأمني"، بل إلى ضرب الروح المعنوية المتجذرة في هذا النمط من التجمّع الفلسطيني.
من جنين إلى نور شمس: سياسة الأرض المحروقة
ما جرى في مخيم جنين وامتد إلى نور شمس والفارعة ليس مجرد مداهمات، بل عملية عسكرية مكتملة الأركان:
تجريف شوارع المخيم، اقتلاع البنية التحتية، تفجير منازل، نشر القناصة على الأسطح، وفرض حظر تجوال طويل، ثم إعلان المنطقة "مغلقة عسكريًا"… في وجه أهلها.
التهجير بالقوة أو بالخوف
يُجبر السكان على النزوح تحت القصف أو الاعتقال أو تدمير البنية الحياتية. البعض يغادر مكرهًا، والآخر يُعتقل أو يُصاب أو يُقتل. الهدف ليس مطاردة مطلوبين، بل جعل المكان غير قابل للحياة، ودفع الناس إلى الخروج منه، ليُعاد تشكيله وفق المخطط الأمني الإسرائيلي.
الأهداف والنتائج
-
الأهداف المباشرة للجريمة:
تفريغ المخيمات من سكانها بهدف كسر البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة، وحرمان الفصائل من الحماية الاجتماعية واللوجستية داخل التجمعات الكثيفة. -
الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى:
تحويل المخيمات إلى "مناطق أمنية إسرائيلية" يمكن السيطرة عليها بالكامل لاحقًا، وإنهاء أي تمركز رمزي يذكّر بالنكبة، ومنع نشوء أي جيل جديد قادر على استلهام هذه الرمزية. -
النتيجة:
هدم منظم للمكان والذاكرة والبنية المجتمعية، وارتكاب جريمة تهجير قسري محمية بغطاء عسكري، أمام صمت دولي مطبق، وشرعنة متزايدة لهذه الأفعال تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب".
محوٌ بالصوت والصورة
حين تُجرَف أزقة المخيم، لا تُمحى فقط البيوت، بل تُمحى النداءات، والضحكات، والقصص. المخيم ليس مجرد غرف من الباطون، بل صوتُ أمٍّ انتظرت ابنها، وذاكرة طفلٍ حفظ خارطة قريته المهدومة، وهو يلعب في الزقاق.
وحين تُمحى هذه التفاصيل، فإن الاحتلال لا يقتل فقط ما هو قائم، بل يقتل ما كان، وما يمكن أن يكون.