
تأسست منظمة التعاون الإسلامي بعد حادثة حرق المسجد الأقصى عام 1969، لتكون مظلّة جامعة للعالم الإسلامي، وصوتًا موحدًا في القضايا المصيرية.
لكن منذ أكثر من خمسين عامًا، ورغم كثرة البيانات والاجتماعات، بقي تأثير المنظمة على أرض الواقع محدودًا، إن لم يكن رمزيًا في كثير من الأوقات.
فهل تُمثّل المنظمة فعلاً الإرادة الجماعية للأمة الإسلامية؟ أم أنها تعكس توازنات سياسية أكثر مما تعبّر عن طموحات الشعوب؟
الخطاب المعلن
تُعلن المنظمة رسالتها في الدفاع عن قضايا المسلمين، وعلى رأسها القدس وفلسطين، ودعم المجتمعات الإسلامية حول العالم في قضايا التعليم والتنمية وحقوق الإنسان.
كما تُقدّم نفسها كمنصة للحوار والتفاهم بين الدول الإسلامية، وتعزيز التضامن في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية.
البيانات الختامية في قممها تُركّز دائمًا على مبادئ "الوحدة الإسلامية" و"رفض التدخلات الأجنبية" و"دعم الشعوب المظلومة".
الجانب المظلم
لكن على مستوى الأداء الفعلي، كثيرًا ما ظهرت المنظمة عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة أو تنفيذ قراراتها، خصوصًا في الأزمات الكبرى التي مست العالم الإسلامي مباشرة.
ففي حرب العراق، وفي مأساة سوريا، وفي المجازر بحق مسلمي الروهينجا، أو الإيغور، اكتفت المنظمة غالبًا بإصدار بيانات عامة، دون مواقف عملية أو تحركات دبلوماسية فعالة.
كما تبدو المنظمة، من حيث الهيكل، مرتهنة لميزانيات الدول الأقوى نفوذًا، مما يضعف استقلالية قراراتها ويُحوّل مواقفها إلى تسويات حذرة بدلًا من مبادرات جريئة.
القمم الإسلامية كثيرًا ما تتحول إلى منصات خطابية، تُغطّي خلافات داخلية عميقة بين الدول الأعضاء، دون وجود آلية حقيقية للربط بين القرار والمساءلة أو بين الشعارات والتنفيذ.
وبدلًا من أن تكون المنظمة ساحة لتنسيق المواقف الإسلامية، أصبحت، في حالات كثيرة، مجرد إطار شكلي يُستخدم لتجميل مواقف الدول، لا لتغيير الواقع.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
الوعي النقدي هنا لا يستهدف المنظمة بذاتها، بل يُسلّط الضوء على غياب أدوات الفاعلية في منظومات دولية تمثل شعوبًا مُهمَّشة في القرار العالمي.
حين يتحول التمثيل الإسلامي إلى شكل بلا قوة، يجب أن نسأل: هل المشكلة في الفكرة أم في البنية؟ هل العجز ناتج عن ضعف المؤسسة أم عن غياب الإرادة السياسية الجماعية؟
التحرر الفكري يبدأ عندما نفكك المفارقة بين الوحدة المعلنة والفرقة الواقعية، بين المبادئ المكتوبة والاصطفافات العملية.
المطلوب ليس الهجوم، بل إحياء مفهوم "الشرعية الشعبية" داخل المؤسسات العابرة، وتجاوز فكرة أن الصوت الجماعي يُنتج فقط من فوق، بل من تفاعل حقيقي بين الشعوب والمؤسسات.
الخاتمة التحليلية
منظمة التعاون الإسلامي وُلدت من قضية عظيمة (فلسطين)، لكنها تجمّدت في قوالب من الدبلوماسية الرمزية والخطابات المتكررة.
ليست المشكلة في ضعف التمويل فقط، بل في غياب الإرادة، وفي تغليب التوازنات على القيم.
فإذا لم تتحوّل هذه المنظمة إلى كيان يُحاسب ويُبادر، ستبقى مجرد أداة بروتوكولية تتحدث باسم "الأمة" دون أن تُجسّد طموحها.