رابطة العالم الإسلامي: صوت الأمة أم واجهة دبلوماسية ناعمة؟

تُقدَّم رابطة العالم الإسلامي كمنظمة عابرة للحدود، تمثّل العالم الإسلامي وتعمل على تعزيز التعاون الثقافي والديني، وتقديم خطاب وسطي في زمن التحولات الجذرية.

لكنّ الصورة المُعلنة لا تختصر القصة. ففي خلفية هذا الخطاب التوفيقي، تبرز أسئلة حساسة حول الدور الفعلي للرابطة، وموقعها بين السلطة الدينية والمصالح السياسية، والعلاقة بين صوت "العالم الإسلامي" وصوت "النظام الرسمي".

الخطاب المعلن

تُروّج الرابطة نفسها كصوت عالمي للمسلمين، يعكس صورة الإسلام المعتدل، ويدافع عن قضايا الأمة في المحافل الدولية، ويعزّز التسامح والتعايش بين الشعوب.
كما تؤكد في بياناتها أنها جهة مستقلة غير سياسية، تعمل على خدمة المسلمين وتعزيز القيم الإسلامية المشتركة، من خلال المؤتمرات والبرامج التعليمية والإغاثية.

الجانب المظلم

رغم الخطاب الجامع، فإن الرابطة لم تخرج يومًا من عباءة الدولة المموّلة لها، والتي تتحكم في مسارها وتوجّهاتها الفكرية والدعوية.
فمنذ تأسيسها في ستينات القرن الماضي، ارتبط نشاطها بشكل وثيق بالسياسة الخارجية السعودية، وتحوّلت في كثير من الأحيان إلى أداة لتعزيز الخطاب الديني الرسمي، وترويج مواقف سياسية باسم الإسلام.
في قضايا كبرى مثل فلسطين أو الحروب في العالم الإسلامي، اكتفت الرابطة غالبًا بخطاب إنساني مُخفف، متجنّبة التورط في أي مواقف تُحرج الحلفاء الدوليين.
وفي السنوات الأخيرة، ومع تغيّر السياسة الإقليمية، أخذت الرابطة دورًا دعائيًا لإبراز ما يُعرف بـ"الإسلام الجديد المعتدل"، في انسجام تام مع تحوّلات الداخل السعودي ومصالحه الدولية، وهو ما أثار انتقادات بين علماء ومفكرين رأوا أن "الاعتدال" بات يُستخدم كقناع ناعم لإفراغ الدين من محتواه السياسي والتعبوي.

تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري

لفهم مثل هذه المؤسسات، يجب النظر إليها لا كجهات تمثيلية مطلقة، بل كبُنى متشابكة بين المرجعية الدينية والسلطة السياسية.
فحين يُقدَّم الإسلام في صورة "آمنة دوليًا"، ويُفرَّغ من مفاهيمه السياسية والاجتماعية بحجة الاعتدال، يجب أن نتساءل: مَن يحدد هذا الاعتدال؟ ولماذا؟
ليس المقصود مهاجمة المؤسسات، بل مساءلة أدائها، والتمييز بين الدعوة إلى التسامح، واستخدام التسامح كأداة لتسويق أجندات فوقية لا تعبّر عن الشعوب.
إن الوعي النقدي يبدأ من تفكيك العلاقة بين النص والوظيفة، بين الخطاب والموقع، وبين ما يُقال ومن له الحق أن يقوله.

الخاتمة التحليلية

ليست المشكلة في وجود رابطة تمثل المسلمين، بل في أن تتحوّل هذه التمثيلية إلى وظيفة ناعمة تُستخدم لتسكين القضايا لا لطرحها، ولتزيين السياسات لا لمساءلتها.
إن تمثيل الأمة لا يُمنح من فوق، بل ينبع من صدق الموقف، وارتباط الخطاب بواقع الأمة وآلامها، لا بحسابات النفوذ والتحالفات.

أحدث أقدم
🏠