
ويُشَاد به كتحالف قائم على احترام السيادة، وعدم التدخل، والتكامل الاقتصادي بين شعوب مختلفة في الدين واللغة والتاريخ.
لكن خلف هذا النجاح الاقتصادي الظاهري، تتوارى مشكلات بنيوية، وتظهر تناقضات سياسية عميقة تُهدد وحدة المصير وتُخفي استقطابات متنامية في منطقة بالغة التعقيد.
الخطاب المعلن
يرفع "الآسيان" شعارات قوية تتمحور حول:
- التعاون السلمي والتنمية المشتركة،
- احترام السيادة الوطنية،
- الاندماج الاقتصادي بين الأعضاء،
- دعم الحوار بدلًا من المواجهة،
- خلق منطقة مستقرة ومستقلة عن الاستقطابات الدولية.
الجانب المظلم
رغم كل هذه الوعود، فإن الآسيان يخفي خلف واجهته الناعمة مشكلات عميقة:
- التناقضات السياسية المستترة: يضم التكتل أنظمة ديمقراطية (مثل إندونيسيا) وأخرى سلطوية (مثل فيتنام وكمبوديا وميانمار)، ومع ذلك يُصرّ الخطاب الرسمي على الحياد وعدم التدخل، ما يجعله عاجزًا عن التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان أو الانقلابات.
- غياب الآليات العقابية: لا يمتلك "الآسيان" أي أدوات فعالة لفرض القرارات أو محاسبة الدول الأعضاء، حتى في حالات صارخة كالمذابح ضد الروهينغا في ميانمار، حيث اكتفى ببيانات دبلوماسية باهتة.
- الخضوع للاستقطاب الدولي: رغم شعار الحياد، تنخرط دول الآسيان في تحالفات متناقضة؛ فبعضها أقرب إلى الصين، وآخرون حلفاء لأميركا، مما يُضعف منطق القرار الموحد ويحوّل الآسيان أحيانًا إلى منصة تعايش لا تماسك.
- التكامل الاقتصادي غير المتكافئ: بينما استفادت دول مثل سنغافورة وفيتنام وماليزيا من التكامل الاقتصادي، بقيت دول أخرى كـ لاوس وكمبوديا وتيمور الشرقية على هامش النمو، ما يُعمّق الفجوة داخل التكتل نفسه.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
لفهم الواقع الحقيقي لأي تكتل إقليمي، علينا أن:
- نُميّز بين النموذج الاقتصادي الناجح وبين الغطاء السياسي الهش.
- نطرح سؤال العدالة في توزيع العوائد لا مجرد أرقام النمو.
- ندرك أن "الحياد" قد يكون أداة لتعطيل أي مساءلة حقيقية.
- ننتبه إلى أن الإشادة الدولية لا تعني غياب المشكلات، بل ربما تعكس توافقًا مصلحيًا يُراد له أن يبقى بلا إزعاج نقدي.
الخاتمة التحليلية
تحوّل الآسيان من حلم الوحدة الآسيوية إلى واقع اقتصادي مثير للإعجاب، لكنه سياسيًا أشبه بتحالف الضرورة، يفتقر إلى روح جماعية حقيقية.
فهو يُجيد خلق صورة استقرار أمام الكاميرات، لكنه يتجنب مواجهة الصراعات الحقيقية بين أعضائه.
وما لم يُطوّر آليات ديمقراطية ومساحات نقد داخلي، فسيظل نجاحه اقتصاديًا بقدر ما يبقى فشله سياسيًا مغلّفًا بلغة دبلوماسية مهذّبة.