اتحاد علماء المسلمين: منبر الإصلاح أم منصة الاستقطاب؟

منذ تأسيسه في 2004 على يد الشيخ يوسف القرضاوي، رفع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين راية الاجتهاد الجماعي، والدعوة إلى تجديد الدين، وكسر احتكار الفتوى، وتحرير الخطاب الإسلامي من الهيمنة الرسمية.

لكن بمرور الزمن، تصاعدت الأسئلة: إلى أي مدى بقي الاتحاد منصة علمية جامعة؟ وهل استطاع حقًا تجاوز استقطابات السياسة؟ أم وقع في فخ التوظيف والاصطفاف رغم شعاراته الكبرى؟

الخطاب المعلن

يطرح الاتحاد نفسه ككيان مستقل جامع لعلماء الأمة، يتجاوز الحدود القُطرية والطائفية، ويُقدّم فقهًا واقعيًا مُستنيرًا، متجددًا، قائمًا على الوسطية والعدل.
يركّز على مقاومة الاستبداد، والتصدي للعلمانية الجذرية، ودعم القضايا الكبرى للأمة، وعلى رأسها فلسطين، مع استعادة دور العالم الرباني في الشأن العام.

الجانب المظلم

لكن خلف هذا الخطاب التنويري، وُجهت للاتحاد انتقادات حادة تتعلّق بعدة مسارات:

  • الاصطفاف السياسي: ظهر الاتحاد بشكل متكرر في موقع الداعم الصريح لحركات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، ما أفقده صفة "المرجعية الجامعة"، وجرّه إلى معارك سياسية أنهكت خطابه الديني.
  • غياب التعددية: رغم تنوع جنسيات أعضائه، إلا أن الرؤية الفقهية الغالبة اتخذت منحى إسلاميًا حركيًا محددًا، وافتقرت إلى تمثيل واسع للمذاهب والمدارس المتنوعة، مما جعل من "العالمية" شعارًا أكثر منه واقعًا.
  • الازدواج في المواقف: في بعض القضايا، بدا أن الاتحاد يعتمد خطابًا مزدوجًا، يُشجّع الحراك الشعبي في سياقات معينة، بينما يلتزم الصمت أو التبرير في حالات أخرى، تبعًا للتموقعات السياسية لحلفائه.
  • تسييس الفتوى: أُقحمت الفتاوى في صراعات إقليمية، وتحولت البيانات الدينية إلى أدوات تعبئة أكثر منها فتاوى تأصيلية نزيهة، مما مسّ بمصداقية المرجعية الدينية الجامعة.

تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري

ما نحتاج إليه ليس فقط "اتحادًا جديدًا"، بل مفهومًا جديدًا للمرجعية الدينية:

  • مرجعية لا تُصنع في حضن السياسة، ولا تُختزل في مشروع حزبي.
  • علماء لا يتورّطون في خطاب التحريض، ولا يختبئون خلف عبارات فضفاضة.
  • وعي ديني لا ينطلق من الولاء السياسي، بل من مبدأ العدل، ولو على النفس.

التحرر من التسييس لا يعني الحياد الأجوف، بل يعني النزاهة والاستقلال عن محاور النفوذ والتمويل.

الخاتمة التحليلية

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خاض تجربة جريئة في جمع العلماء تحت مظلة فكرية جامعة، لكنه تعثّر حين تماهى الخطاب الديني مع الاصطفاف السياسي.
فما بدأ كحلم بتجديد العلم، انتهى – في كثير من الأوقات – كصدى لصراع المحاور.
وما لم تنفصل المرجعية الدينية عن الارتباط العضوي بالحركات والأنظمة، فلن يكون هناك تحرر حقيقي للخطاب الإسلامي.

أحدث أقدم
🏠