
وقد وُصف آنذاك بأنه النواة الحقيقية للوحدة العربية الممكنة، بفضل قلة عدد أعضائه، وتشابه أنظمته، وتوفر موارده.
لكن بعد أكثر من أربعة عقود، لا تزال مؤسسات المجلس عاجزة عن تحقيق تكامل فعلي، وتغيب الرؤية الاستراتيجية الموحدة، فيما تتكاثر الأزمات البينية، وتنكشف هشاشة "الأخوّة" السياسية عند أول اختبار.
الخطاب المعلن
يُروّج مجلس التعاون نفسه كمثال ناجح على الوحدة الإقليمية، ويرفع شعارات:
- "التكامل الاقتصادي"،
- "الدفاع المشترك"،
- "التنسيق الأمني"،
- "تحقيق المواطنة الخليجية"،
- "مجابهة التحديات الخارجية كموقف موحد".
الجانب المظلم
لكن الواقع السياسي يُظهر صورة مغايرة تمامًا:
- التشرذم السياسي: الخلافات العميقة بين الدول الأعضاء – كما في أزمة حصار قطر 2017 – كشفت أن المجلس هشّ أمام أبسط هزة، وأن "البيت الخليجي" لا يقف على أسس مؤسساتية بقدر ما يقوم على التحالفات الظرفية.
- التحالفات الخارجية المتناقضة: تختلف سياسات الدول الأعضاء بشكل صارخ في ملفات محورية (إيران، تركيا، التطبيع مع إسرائيل، الحرب في اليمن، العلاقة مع أميركا والصين)، مما يجعل مفهوم "القرار الموحد" أقرب إلى السراب.
- اقتصاديات متنافرة لا متكاملة: رغم الحديث عن سوق خليجية مشتركة، ومشروع عملة موحدة، إلا أن الواقع يُظهر تنافسًا تجاريًا، ومناطق حرة متصارعة، ومشاريع قومية تُدار بمنطق "كل دولة لنفسها".
- أداة لشرعنة السياسات القُطرية: في كثير من الأحيان، يتحول مجلس التعاون إلى واجهة دعائية لتبرير قرارات أحادية، أو لإضفاء طابع "إجماع خليجي" على تدخلات سياسية خارجية، دون وجود موافقة شعبية أو آليات محاسبة.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
ما يُطلب من المواطن الخليجي والعربي هو أن يُدرك أن المؤسسات ليست مقدسة بمجرد أن تُزيَّن بالشعارات، وأن:
- وحدة الخطاب لا تعني وحدة المواقف.
- التنسيق الأمني لا يساوي مشروعًا سياسيًا حقيقيًا.
- الاقتصاد المشترك لا ينجح في ظل غياب العدالة في توزيع المصالح.
- المطلوب هو تعزيز مؤسسات الشفافية، والانفتاح على المجتمع المدني، وربط القرار الشعبي بالمصير الإقليمي، بدل ترك الأمور رهينة تحالفات فوقية تتغير حسب المزاج السياسي.
الخاتمة التحليلية
مجلس التعاون الخليجي مشروع لم يفشل رسميًا، لكنه تعثّر عمليًا.
فقد ظل حبيس المجاملات السياسية، ولم يتحوّل إلى كيان شعبي أو اقتصادي حقيقي.
وما لم تنتقل فكرة التعاون من مجرد "بيان ختامي" إلى بنية مؤسساتية شفافة تُبنى على المصالح المشتركة لا الولاءات المتقلّبة، سيبقى المجلس رمزًا لوحدة مُعلنة وانقسام مُدار.