
وقد تبنت شعار الحياد الإيجابي والدفاع عن قضايا التحرر الوطني، لتكون منصة للدول النامية الساعية إلى الاستقلال عن القوى العظمى.
لكن مع تغير موازين العالم، وانتقال الصراع من الأيديولوجيا إلى الاقتصاد، برزت تساؤلات عميقة: هل لا تزال حركة عدم الانحياز حركة فاعلة؟ أم أنها أصبحت كيانًا رمزيًا لا يُقاوم الهيمنة بل يُعيد إنتاجها بلغة ملطّفة؟
الخطاب المعلن
ترفع الحركة شعارات نبيلة، منها:
- عدم الانحياز لأي محور دولي،
- دعم قضايا التحرر الوطني،
- احترام سيادة الدول،
- الدفاع عن السلام العالمي،
- التعاون بين دول الجنوب.
الجانب المظلم
لكن الواقع يُخفي مجموعة من التناقضات البنيوية والوظيفية:
- تحوّل الحياد إلى غياب التأثير: معظم مواقف الحركة باتت أقرب إلى بيانات بروتوكولية لا تغير شيئًا على الأرض، ما جعلها في نظر كثيرين منظمة "غير منحازة حتى للقضايا الكبرى".
- التناقض بين الأعضاء: تضم الحركة دولًا تقيم تحالفات صريحة مع قوى كبرى (مثل الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا)، ومع ذلك تظل أعضاء فاعلة، مما يُفرغ مفهوم "عدم الانحياز" من مضمونه.
- تآكل القيم التأسيسية: القيم التي دافعت عنها الحركة يومًا ما، كرفض الاستعمار الجديد أو دعم فلسطين أو مناهضة الإمبريالية، أصبحت اليوم مواضيع هامشية في بياناتها، وتُعالج غالبًا بلغة توافقية خاوية.
- غياب الرؤية الموحدة: لا يوجد مشروع عملي لجعل الحركة قوة بديلة فاعلة، بل تكتفي بالدور الرمزي والاحتفالي، مع غياب التنسيق الفعلي في القضايا المصيرية مثل العدالة الاقتصادية، والتكنولوجيا، وحقوق الشعوب المضطهدة.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
لكي نعيد التفكير في دور الحركات الدولية "البديلة"، يجب أن نطرح أسئلة محرجة:
- هل الانحياز الأخلاقي ضرورة أحيانًا؟
- هل يمكن أن يكون الحياد أداة لتمرير الهيمنة إذا لم يُرافقه موقف حازم؟
- ما فائدة التكتلات إن لم تُنتج تضامنًا عمليًا ومواقف مبدئية؟
- وكيف نُميز بين الحياد النزيه والحياد المُتواطئ؟
الخاتمة التحليلية
تحوّلت حركة عدم الانحياز من جبهة تحرر سياسي إلى منظمة بروتوكولية تحافظ على توازنات شكلية، لكنها لا تُحرّك موازين القوى الحقيقية.
فما لم تتحوّل من خطاب إلى فعل، ومن رمزية إلى استقلال حقيقي عن مراكز الهيمنة، ستبقى مجرد عنوان قديم في كتاب جديد، يُستعمل لإضفاء شرعية على الحياد الذي يخدم الأقوى، لا الأضعف.