منظمات حقوق المرأة والطفل: حماية إنسانية أم أدوات لتطويع الثقافات؟

تُقدَّم منظمات حقوق المرأة والطفل التابعة للأمم المتحدة كعناوين ناصعة للعدالة الإنسانية، تسعى إلى مناهضة التمييز والعنف، وتوفير الحماية للفئات الأكثر ضعفًا.

منظمة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) ترفرف راياتهما في المؤتمرات الدولية، والمناهج المدرسية، والحملات الإعلامية الضخمة.
لكن خلف هذا الخطاب الحقوقي الجذّاب، يبرز تساؤل حقيقي: هل نحن أمام عمل إنساني خالص؟ أم أمام أدوات ناعمة لإعادة تشكيل المجتمعات، وفق مقاييس ثقافية غربية؟
وهل صمت هذه المنظمات أمام الانتهاكات في مناطق الحروب والاحتلال ناتج عن عجز… أم عن انتقائية مقصودة؟

الخطاب المعلن

تؤكد المنظمتان على التزامهما بحماية المرأة والطفل من كافة أشكال العنف والتمييز، والعمل من أجل المساواة والعدالة والرعاية، دون تفرقة على أساس العرق أو الدين أو الهوية.
تروّج الأمم المتحدة للمرأة لمبادئ "التمكين" و"المساواة الجندرية" و"التمثيل السياسي"، بينما تطرح اليونيسف أهدافًا في التعليم، والرعاية الصحية، ووقف تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة.
كلا المؤسستين تُصوَّران كصوت الضحايا، وضمير الإنسانية، وجسرًا من الرحمة العابرة للحدود.

الجانب المظلم

لكن خلف هذه السردية، تكمن مفارقة مريرة. فالانتقائية والتسييس والتدخل في الخصوصيات الثقافية تُصبح ممارسات شائعة تُغلف بلبوس حقوقي.

1. الانتقائية في الإدانة

غالبًا ما تلتزم المنظمتان الصمت حيال انتهاكات جسيمة في مناطق لا تتماشى مع أولويات الغرب، كما في فلسطين، أو اليمن، أو مناطق احتلال أو حصار.
المرأة الفلسطينية التي تُعتقل، أو تُجبر على الولادة وهي مقيّدة، لا تحظى بنفس الاحتفاء الإعلامي الذي يُمنح لضحايا من أماكن أخرى أكثر انسجامًا مع السياسة الغربية.
وكذلك الأطفال في مخيمات اللاجئين أو تحت القصف لا يُدرجون ضمن "رواية الضحية" إلا إذا كان الجلاد خارج دائرة الحلفاء.

2. فرض أجندات ثقافية باسم التمكين

منظمة المرأة تطرح مفاهيم مستوردة من السياق الليبرالي الغربي على مجتمعات الجنوب، كأن تمكين المرأة يعني بالضرورة تفكيك الأسرة، أو معاداة الدين، أو إعادة تعريف الأدوار الاجتماعية.
أما اليونيسف، فترتبط ببرامج تعليمية وتربوية تُعيد تشكيل القيم المحلية باسم "حقوق الطفل"، دون حوار مع المجتمعات، ما يُثير جدلًا حول دورها في تذويب الهويات الثقافية.

3. الهيمنة عبر التمويل المشروط

العديد من برامج دعم المرأة والطفل ترتبط بمنح مشروطة من مؤسسات دولية، تُجبر الدول النامية على تطبيق رؤى نمطية تتجاهل السياقات الاجتماعية الفعلية.
يُصبح التمويل أداة لفرض نماذج نمطية لا تنبع من حاجة المجتمعات، بل من رؤية عالمية تعتبر نفسها مرجعية أخلاقية مطلقة.

4. إضفاء الطابع النخبوي على النضال الحقوقي

غالبًا ما يتم اختيار "نماذج نسائية" أو "أصوات الأطفال" التي تتماشى مع السردية الأممية، بينما يتم تهميش الأصوات التي تنتقد الاحتلال أو الإمبريالية أو ازدواجية المعايير الدولية.
هكذا يتحول النضال إلى احتفالية بروتوكولية داخل مؤتمرات فاخرة، بدلًا من أن يكون فعل مقاومة للظلم العابر للحدود.

تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري

لحماية المرأة والطفل فعلًا، يجب الفصل بين الخطاب الحقوقي وبين أدوات التوجيه الثقافي العالمي.
نحتاج إلى وعي يُميز بين حماية المرأة وبين استخدامها كأداة سياسية، وبين تعليم الطفل وبين إعادة برمجته ضمن سرديات محددة.
كما يجب دعم منظمات محلية مستقلة تنبع من واقعها، بدلًا من الاعتماد على مراكز تقرر عن المجتمعات ما يجب أن يكون عليه "الصحيح" و"المتحضر".
التحرر الحقيقي يبدأ حين تتوقف المجتمعات عن استيراد تعريفات الحقوق، وتبدأ بإنتاج معاييرها الأخلاقية النابعة من تجربتها.

الخاتمة التحليلية

ليست القضية في إنكار الانتهاكات الواقعية ضد المرأة والطفل، بل في كشف طريقة توظيف هذه الانتهاكات لخدمة أجندات لا تهدف إلى التحرر، بل إلى إعادة تشكيل الشعوب وفق مقاييس هيمنة ناعمة.
وحين تُصبح حقوق الطفل والمرأة حقولًا خاضعة للتمويل المشروط، والتوجيه الثقافي، وازدواجية الإدانة، فإن الحماية تتحول إلى إدارة، والرعاية تتحول إلى رقابة، والعدالة تتحول إلى تطويع.

أحدث أقدم
🏠