
وتُروَّج المنظمة كرمز لما بعد الاستعمار، يربط أكثر من 50 دولة حول العالم تحت مظلة من المساواة والاحترام.
لكن السؤال الجوهري: هل الكومنولث هو بالفعل رابطة طوعية متكافئة؟ أم أنه امتداد ناعم لإرث الإمبراطورية البريطانية وهيمنتها السابقة، بأسلوب محدث أكثر دبلوماسية؟
الخطاب المعلن
يركّز الخطاب الرسمي للكومنولث على المبادئ التالية:
- تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان،
- تشجيع التعاون في مجالات التعليم والصحة والتجارة،
- تقوية الروابط الثقافية والتاريخية،
- دعم التنمية المستدامة ومساعدة الدول الأعضاء الصغيرة.
وتُقدَّم بريطانيا كـ"عضو متساوٍ" لا يمارس نفوذًا سلطويًا داخل التكتل، رغم كونها القوة المؤسسة والمركزية فيه.
الجانب المظلم
لكن خلف هذه اللغة المنمقة، تتكشف عدة ملامح بنيوية تُعيد إنتاج علاقات السيطرة القديمة:
- رابطة غير متكافئة واقعيًا: رغم حديث الكومنولث عن المساواة، فإن بريطانيا تظل المحور الحقيقي للتكتل، اقتصاديًا ورمزيًا، وتُمنح رمزية العرش البريطاني حضورًا في مناسبات المنظمة، ما يعيد التذكير بالعهد الإمبراطوري.
- إخفاء علاقات الاستغلال التاريخي: نادرًا ما تُناقش في الكومنولث الجرائم الاستعمارية لبريطانيا في الهند وأفريقيا والكاريبي، بل يتم تجاوزها تحت مسمى "المصالحة والتعاون"، ما يُبقي الوعي الجماعي مشوّهًا وغير ناقد.
- مظلة للتأثير السياسي البريطاني: كثير من الدول الأعضاء تحافظ على علاقات اقتصادية وأمنية تابعة للمصالح البريطانية، وتُمارَس ضغوط دبلوماسية ناعمة لإبقاء النفوذ البريطاني حاضرًا في القضايا المحلية.
- محدودية الفاعلية التنموية: لا توفر المنظمة دعمًا فعليًا يُحدث فرقًا جوهريًا في حياة الشعوب الفقيرة من أعضائها، بل تقتصر على برامج رمزية لا تُزعج التوازنات الكبرى.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
للتعامل الواعي مع مثل هذه المنظمات، ينبغي أن نسأل:
- هل يمكن "تحييد" التاريخ الاستعماري دون مواجهته؟
- لماذا يُستخدم الخطاب الطوعي لتجميل ماضٍ قسري؟
- كيف نُقيّم العلاقة: هل هي تعاون متكافئ أم استمرار للهيراركية؟
- وهل تُسهِم هذه الروابط في بناء استقلال حقيقي، أم أنها تؤبّد التبعية الثقافية والسياسية؟
التحرر الفكري يبدأ بفهم أن بعض الروابط "الودية" تُخفي في عمقها تفاوتات بنيوية يصعب تجاوزها بمجرد اللغة المهذبة.
الخاتمة التحليلية
ربما لم يعد الكومنولث اليوم أداة استعمارية مباشرة، لكنه ما يزال يحمل بنية رمزية تُعيد إنتاج المركزية البريطانية في خطاب التعاون العالمي.
وما لم تترافق "العلاقات التاريخية" مع نقد تاريخي جاد، واعتراف بالجرائم القديمة، وإعادة صياغة فعلية للندية، فستظل المنظمة نموذجًا للهيمنة الناعمة… بهيئة احتفالية.