
وقدّمت نفسها باعتبارها منصة عالمية لتأطير الشباب المسلم، وتكوين أجيال مؤمنة فاعلة.
لكن وراء هذا الدور التربوي، تبرز أسئلة ملحّة: من يصوغ الخطاب؟ ومن يحدد الأجندة؟ وما الذي يُراد تمريره عبر صيغة "الدعوة الوسطية العابرة للقوميات"؟
الخطاب المعلن
تتبنّى الندوة شعارات "بناء الإنسان المسلم"، "تحصين الشباب من الانحراف"، "نشر القيم الإسلامية"، و"التعاون بين الشباب المسلم في مختلف دول العالم".
كما تركز على برامج التكوين، والمعسكرات، والمشاريع التنموية، وتطرح نفسها كجسر للتواصل بين الشباب والدعاة والمؤسسات.
الجانب المظلم
لكن خلف هذه الواجهة، يبرز طابع الإدارة من أعلى، حيث لا تعبّر البرامج بالضرورة عن الواقع المحلي، بل تنقل نمطًا ثقافيًا دينيًا موحّدًا غالبًا ما يتماهى مع رؤية سياسية معينة للدين.
ترتبط الندوة بعلاقات وثيقة مع مؤسسات دينية رسمية، وتُدار ميزانياتها ودوراتها ومناهجها من مراكز تمويل في الخليج، مما يضعها في موقع ناقل لأيديولوجيا دينية رسمية أكثر منها مؤسسة مستقلة.
كما أن تركيزها الكبير على قضايا الأخلاق الشخصية والتدين الفردي يصرف النظر عن القضايا السياسية والاقتصادية الكبرى التي تهمّ الشباب المسلم في أوطانهم، وهو ما يعكس أحيانًا وظيفة تحييدية، تجعل من التدين أداة للانضباط لا للنهضة.
ويُلاحظ أن كثيرًا من خريجي هذه الندوات يتخرجون محمّلين بخطاب وعظي تقليدي، لكنه هش أمام الأسئلة الكبرى للعصر، لأن التكوين غالبًا ما يكون انتقائيًا ومؤدلجًا أكثر منه شموليًا نقديًا.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
التحرر الفكري لا يعني رفض الدعوة، بل إعادة مساءلة أدواتها وخطابها:
- هل نُربّي شبابًا على التفكير النقدي أم على التلقين الطقوسي؟
- هل نُهيئهم للانخراط في العالم، أم نُعزلهم خلف الشعارات؟
- هل نُقدّم الإسلام كمشروع تغيير حضاري، أم كحالة شعورية فردية؟
الخاتمة التحليلية
الندوة العالمية للشباب الإسلامي تُجسّد وجهًا من وجوه المؤسسات الدعوية الحديثة: كثرة الشعارات، ومحدودية الأثر البنيوي.
ليست المشكلة في النية، بل في البنية، وفي اختزال الدين في مقولات أخلاقية دون وعي سياسي أو نقدي.
وإذا لم تتطوّر هذه المؤسسات لتصبح حاضنة فكرية حقيقية، ستبقى تدور في فلك النظام، لا في فضاء الأمة.